ثروات الأنبار وغرب الفرات: كنز محفوظ لأرض الميعاد

بقلم _ ضياء ابو معارج الدراجي

منذ إعلان الكيان الصهيوني عام 1948، بدأ مشروع خطير يتغلغل في المنطقة بصمت، لا يقتصر فقط على الاحتلال المباشر، بل يتعداه إلى احتلال غير مرئي: احتلال الخرائط والعقول والثروات. أحد أخطر أوجه هذا المشروع يتمثل في ما يُعرف صهيونيًا بـ”أرض الميعاد”، والتي تمتد ـ بحسب الرواية التوراتية المزيفة التي يتبناها الاحتلال ـ من النيل إلى الفرات. وبناءً على هذا الوهم المقدس لديهم، تم تجميد مناطق عربية بأكملها، جغرافيًا واقتصاديًا، بانتظار لحظة “الاستيلاء الموعود”.

منطقة الأنبار وغرب الفرات واحدة من هذه المناطق. أراضٍ شاسعة، مترامية الأطراف، غنيّة بالثروات الباطنية؛ نفط، غاز، فوسفات، ذهب، يورانيوم… لكن وعلى الرغم من وضوح هذه الكنوز، ظلّت لعقود طويلة مناطق مهمّشة تنمويًا، مغلقة اقتصاديًا، وممنوعة من أي استثمار حقيقي يليق بثقلها الاستراتيجي. والسبب؟ لأن اليد الخفية التي تكتب خرائط الشرق الأوسط الجديد تعتبر هذه الثروات أمانة مؤقتة في يد العرب، محفوظة لليهود في اللحظة المناسبة.

فمنذ 1948 وحتى اليوم، لم نشهد استخراجًا حقيقيًا أو استثمارًا شاملًا لتلك الثروات إلا في نطاق ضيّق وضروري لتسيير الحياة اليومية، دون أي مشروع نهضوي كبير. الأنبار، التي توازي بعض الدول الخليجية من حيث الاحتياطي النفطي والغازي، لم تُمنح فرصة أن تنهض أو تُستثمر بشكل مستقل. بل ظلّت “مكبّلة”، كأن هنالك تعهّدًا غير مكتوب بألا يُمسّ كنز “أرض الميعاد” حتى يحين وقت تقسيم الغنائم بعد سقوط الدول وتمزيق الجغرافيا.

ولا يمكن فصل هذا التجميد الثرواتي عن المخطط السياسي الأكبر. فمحور “تل أبيب – واشنطن” ينظر إلى غرب العراق كحلقة مفصلية في مشروع التقسيم والسيطرة. فمن هذه الأرض يمكن ربط الحدود الشرقية لسوريا بالحدود الغربية لإيران، وهي نقطة استراتيجية مرعبة للعدو إذا كانت بيد محور المقاومة، لكنها مغرية وذهبية إن خضعت لحكم خائن أو تقسيم يمرّر عبره المشروع الصهيوني.

ولذلك، لم يكن عبثًا أن ترى تحركات إسرائيلية، سياسية واستخباراتية، تركّز على هذه المناطق رغم بُعدها الجغرافي عن حدود فلسطين المحتلة. ولم يكن عبثًا أيضًا أن تكون بعض النخب الغربية ـ بل حتى العراقية المتصهينة ـ تُشيع بأن “الأنبار بلا قيمة”، أو أن “غرب الفرات غير صالح للاستثمار”، أو أن “الوضع الأمني لا يسمح”. كلها كذبات ممنهجة لتبقى تلك الأراضي مخزونة في الظل، لا تُمسّ، بانتظار الساعة الصفر.

إنها ليست صدفة أن يكون الفوسفات في القائم والغاز في عكاشات والنفط في جنوب الرطبة والمعدن النادر في وادي حوران، لكن لا أحد يجرؤ على الاستثمار الجاد هناك. لأنهم يعتبروننا خدمًا في أراضٍ ليست لنا، نحرسها لهم إلى أن يأتوا ليستردوها بدم بارد ورايات مزيفة.

وليس خافيًا أيضًا أن أغلب الحكومات العراقية المتعاقبة، بإرادة أو بضعف، لم تستطع كسر هذا القيد. لا خطط جدية لاستثمار ثروات الأنبار، ولا مشاريع وطنية في غرب العراق، بل إهمال وتهميش وحصار تنموي أشبه بالتعطيل المقصود. كأن القرار الأعلى يقول: “دعوا هذه الأرض كما هي، إنها موعودة لغيركم”.

ثروات الأنبار وغرب الفرات ليست فقط كنوزًا اقتصادية مدفونة، بل هي أيضًا ألغام سياسية، إن لم ننتبه لها، انفجرت في وجهنا يومًا تحت لافتة “تحرير أرض الميعاد”. إن التحرير الحقيقي لا يبدأ من جبهات القتال فقط، بل من كسر هذه القيود الخفية، ومن إعادة السيادة على قرارات الاستثمار والسيطرة على الأرض.

ولذلك، فإن أي مقاومة حقيقية للمشروع الصهيوني لا تكتمل إلا عندما نفتح ملف ثروات غرب العراق، ونسأل: لماذا تُركت لعقود؟ ولمصلحة من؟ ومن يمنعنا من النهوض بها؟ وعندها فقط، نكسر واحدة من أهم أدوات الاحتلال غير المباشر، ونرد على أحلام أرض الميعاد بردٍّ عملي: هذه الأرض لنا، وثرواتها لنا، والمستقبل لا يُكتب بالتوراة، بل بأيدي الأحرار.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى