أمن أجل تغريدة؟

بقلم _ علي جاسب الموسوي
2025/6/25

أحقًا بلغنا هذا المنعطف الحاد؟ هل أصبح التعبير عن الرأي السياسي جريمةً تستوجب مذكرة قبض فورية تُنفَّذ بليلٍ بهيم، دون استقدام أو استدعاء أو حتى تبليغ بالحضور؟ هل بات المحلل السياسي، الذي وظيفته بطبيعتها أن يُعلّق ويُحلّل، يُعامل كما لو أنه ارتكب جريمة قتل أو فعلًا إرهابـ..ـيًا أو سطوًا مسلحًا؟!
أي سابقة هذه التي تُؤسَّس في العلن، وأي رسالة تُوجَّه لبقية الإعلاميين والمحللين: اصمتوا… وإلا؟!

السيد عباس العرداوي لم يهرب، ولم يختفِ، ولم يلوّح بتهديد أمني، بل هو رجلٌ حاضر في كل الساحات الإعلامية، وصاحب موقف يُتفق أو يُختلف معه، لكن لا يُسجن لأجله. فأين محكمة النشر؟ وأين المسارات القانونية الهادئة؟ ولماذا اختير الأسلوب البوليسي المروع، إن لم يكن القصد هو الترهيب وتكميم الأفواه؟

نعم، قد يخطئ المحلل السياسي في توصيف أو تعبير، وقد يُساء فهمه أو حتى يُساء تأويله، لكن ردّ الفعل الرسمي على ما قاله العرداوي لا يتناسب مطلقًا مع حجم الخطأ، بل يتجاوزه إلى مرحلةٍ خطرة تمسّ جوهر الحريات في هذا البلد.

وهنا يبرز السؤال الأشد مرارة: كيف نرى العشرات، بل المئات، ممن يظهرون يوميًا في الإعلام، من داخل العراق أو خارجه، من أربيل أو عمّان، أولئك الذين جعلوا من أنفسهم منصاتٍ للفتنة، والتحريض الطائفي، والتهديد للأمن المجتمعي والسلم الأهلي، بل وشركاء في إنتاج خطاب الإرهاب ذاته… ومع ذلك، كلما طُرح التساؤل بشأن محاسبتهم، خرجت لنا لافتة “حرية التعبير” لتكون درعًا يحول دون أي إجراء؟

هل نسي البعض أن المادة (38) من الدستور العراقي تكفل بشكل صريح حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل؟ وأنها تُعدّ من الحقوق الأساسية التي لا يجوز تقييدها أو تعطيلها إلا وفقًا للقانون، وبما لا يمس النظام العام أو الآداب العامة؟

هل ندرك أن ما جرى هو نذير شؤم، وجرس إنذار مبكر لمرحلة قمع ناعم قادم؟ هل نُدرك أن السكوت عن هذه السابقة، سيجعل من “الاعتقال من أجل الرأي” أمراً مألوفًا، ونستفيق ذات صباحٍ لنجد جميع المنابر إمّا صامتة… أو مكمّمة؟

https://t.me/alichasib4

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى