اليوم الثالث من محرَّم 61هـ — كربلاء الطف والدروس المستفادة منها.

بقلم_ طوفان الجنيد

استكمالًا للحديث عن أحداث الأيام العاشورائية، والمصيبة الكبرى، والفاجعة الأليمة باستشهاد الثلة المؤمنة من آل بيت المصطفى صلوات الله عليه وآله، بقيادة ابن بضعته، وروحه التي بين جنبيه، سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء، أمِّ سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين، ونجلِ سيد الأوصياء مولانا أمير المؤمنين ويعسوب الدين علي بن أبي طالب، صلوات الله عليهم أجمعين.
اليوم الثالث وموقف أبي عبدالله الحسين (عليه السلام)
كما قلنا سابقًا، بعد وصول أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) ومن معه من أهله وأصحابه إلى أرض كربلاء، بعددهم القليل الذي لم يتجاوز السبعين فردًا، وعتادٍ وعدّة قليلة جدًّا، لأنه ومنذ خروجه من مدينة جدّه، لم يكن ناويًا على قتالٍ أو مواجهة مع يزيد وأهل الكوفة، بل إنه خرج – كما قال (سلام الله عليه) –:
“لم أخرج أشرًا، ولا بطرًا، ولا ظالمًا، ولا مفسدًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي رسول الله صلوات الله عليه وآله.”
في هذا اليوم الثالث، كان جيش ابن زياد قد طوّق مخيمات أبي عبدالله، وضرب حصارًا شديدًا على أرض المعركة، وقطع الماء الذي كان يمرّ على المخيم، ومنعه حتى عن الأطفال والنساء، وشدّد الرقابة على بعض المتعاطفين.
وقد بلغ عدد جيش ابن زياد نحو (4000) جندي بقيادة عمرو بن سعد، الموعود بإمارة الريّ، ثم تزايد العدد ليصل في اليوم العاشر إلى أكثر من أربعين ألفًا، كما تحكي الروايات التاريخية.
موقف أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) في الثالث من محرم 61هـ
كان كلُّ همِّه (سلام الله عليه) أن تفضي الأمور إلى السلم وحقن الدماء، عن طريق التفاوض مع جيش ابن سعد، فأرسل إليه مفاوضين وطرح عليه ثلاثة خيارات، وهي:

1. أن يدعوه ليعود من حيث أتى.

2. أن يسمح له بالانخراط في ثغور وجبهات المسلمين.

3. أو أن يتركه ليلتقي بيزيد شخصيًا ليحلّ معه الخلاف.

فأرسل ابن سعد هذه الخيارات إلى ابن زياد (الملعون)، والي الكوفة، فتم رفضها، وطرحت أمام أبي عبدالله الحسين ثلاثة أمور لا رابع لها:
البيعة ليزيد، أو الاستسلام، أو القتال.
فعاد أبو عبدالله إلى أصحابه، وشدَّ من عزائمهم، وقال قولته المشهورة:
“ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة! يأبى اللهُ لنا ذلك، ورسوله، والمؤمنون، وحجورٌ طابت، وأرحامٌ طهرت، ونفوسٌ أبية، أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.”
ختامًا
إنّ من أعظم الدروس المستفادة من أحداث اليوم الثالث من محرَّم، في كربلاء الطف:
الثبات على الموقف المبدئي الحق مهما كانت المخاطر.
اتخاذ موقف الدفاع وعدم البدء بالعدوان، امتثالًا لقوله تعالى:
﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾.

إلقاء الحجة على العدو، بإرشاده إلى الطريق القويم، والرجوع عن غيّه وطغيانه.
السعي لحقن الدماء، واختيار درب السلم والسلام، فكل مشكلة لها حل.

وللحديث بقية…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى