كأنها راية العباس! قراءة في لوحة” العودة من كربلاء” للفنان مؤيد محسن
بقلم _ د.أمل الأسدي
لايستطيع المرء مقاومة دموعه وإيقافها حين يشاهد لوحات “مؤيد محسن” إذ يمثل فعل التلقي معه ضربةً قوية تعيدك بسرعة البرق إلی أيام الحرمان والظلم والقمع في زمن البعث وعصابته، ترجع بك إلی تلك الحقبة المظلمة، ولكنك تبقی سجين حزن اللوحة،تنهض من دكةِ حزن، لتقع علی أخری، تترك واجهة حزن، فتقابلك أخری!
وهو في ذلك كله يبني لوحاته علی بعدين رئيسين وهما البعد الحضاري التأريخي العام، والبعد الحضاري الثقافي الديني، وهما العنصران اللذان يشكلان هوية الفرد العراقي، وهما العنصران المستهدَفان من الطغاة علی مر العصور، ونتيجة استهدافهما وملاحقتهما،اُستهدفت الحياة في العراق، اُستهدف الإنسان، الطفل، المرأة، النخلة، الطيور ، الهور، المشحوف، العگال، الشيلة، الراية…الخ.
تری كيف استطاع” محسن” أن يجمع كل تلك الصرخات في لوحةٍ واحدة؟
وماذا يقرأ المرء في هذه اللوحة اللوعة؟
الطريق الذي وُضعنا فيه، فهو موحش ظاهرا، مرتبط بالعظيم القائل:”أيها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله “(١) وهو طريق المكابدة المرتبط بقوله تعالی:((لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ))(٢)
فهذه المكابدة التي تظهرها اللوحة، صنعتها الإزاحة عن الوضع الطبيعي، الإزاحة عن الاستحقاق، وهي من دفعت الإنسان إلی هذا الطريق ، وإلی هذه الجلسة!
لقد أصرّ” محسن” علی الصراخ قائلا: أيها العالم أنا الأقدم، بلدي الأول، صوتي الأعرق، هذه آثارنا قد تبعثرت رؤوسها في طرقات الوجع، نعم … لن تنفعني اليوم، فهي مشردة مثلي، محرومة، ضيعوا مقامها، وغيّبوا حضورها!
تعالوا أيها العاشقون الفارّون، تعالوا أتلو عليكم سورة الوجع!
حتی دكة الجلوس تفطّرت وجعا، حتی الظلال مفطَّرة!
ضياعٌ، وطريق بلا نهاية، وفوضی، وخراب، لكني الأنيق، الأنيق روحا، لم تؤثر عليّ بربرية القوم، بل لم تؤثر حتی علی حذائي علی الرغم من رمال المقابر!!
أنا الحارس المقطوع الرأس، رأسي فداءٌ لكم، إنه ثمن الحرية، أنا الحارس الذي لايشعر بالزمن، أنا خارج ألسنة الدقائق!
أنا الحارس المودع لتلك الوجوه المارة،
أودعهم بآهاتٍ خضراء، أودّعهم برايةِ صاحب الراية!!
مازالت خضراء، ومازال عشقنا أخضر مثلها، ومازال صوت زينب: “فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا…”
ومازال أنين الأمهات يصل مُكسّرا:
ياشبان بالله لا تونون
وبونينكم گلبي تگطعون
اتهدون حيلي من تلوجون …
لاتقولوا عن لوحات مؤيد محسن، سوی كلمة واحدة!
إنها لوحات”عراقية”
ــــــــــــــــــــــــــ