اليوم الخامس من كربلاء الطف (5 محرم 61هـ): قراءة وتحليل.
بقلم_ طوفان الجنيد
السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين.
استكمالًا للحديث السابق، ومحاولةً للتطرّق إلى أحداث الأيام العاشورائية ومعرفة تفاصيلها، والوقوف على أعظم جريمة ووحشية في التاريخ، تلك التي اجترحها الطغاة والظالمون من بني أمية – الشجرة الملعونة في القرآن – بقيادة يزيد الفاسق، وعبيد الله بن زياد، وعمرو بن سعد، ومن معهم من الموالين والمغرر بهم من أصحاب العقول السطحية والمصالح المادية.
الأحداث الرئيسية في هذا اليوم العصيب:
1- إحكام الحصار وتشديده:
منع الماء عن مخيّمات أبي عبد الله الحسين عليه السلام، ومن معه من أهل بيته من النساء والأطفال.
2- اكتمال عدد الجيش الأموي:
وصل العدد إلى ثلاثين ألف مقاتل، ما بين راجل وراكب، وبدأ استخدام الحرب النفسية عبر استعراضات عسكرية، وإرسال الرسائل التهديدية والاستفزازية، بقصد التخويف والنيل من صمود أبي عبد الله الحسين وأصحابه، خصوصًا بعد فشل المفاوضات بين المعسكرين.
3- تحرك حبيب بن مظاهر الأسدي:
أحد الأبطال الصناديد من أصحاب الإمام الحسين، قام بمحاولة حثيثة لاستنقاذ قبيلة بني أسد لنصرة الحسين، إذ كانت القبيلة تقطن مناطق قريبة من كربلاء.
إلا أن المحاولة فشلت بسبب منع قوات ابن سعد وابن زياد لأي اتصال بين الحسين والقبائل المجاورة، ما حال دون وصول أي دعم عسكري أو تمويني، في ظل مراقبة مشددة لتحركات أصحاب الحسين، وقطع طرق الإمداد بالكامل.
4- الاستعداد للحرب وتصعيد الحرب النفسية:
تصاعد الضغط النفسي على معسكر الحسين بإرسال رسائل تطالب بالاستسلام الفوري، إلى جانب نشر أخبار كاذبة عن تخلي أهل الكوفة عنه.
التحليل الاستراتيجي والسياسي للأحداث:
إن من يستقرأ الأحداث، ويحلل مضامينها، يُدرك حجم المفارقة العسكرية الكبيرة بين الطرفين، وعدم التكافؤ في العدة والعتاد، ويقف على مدى الطغيان والتكالب من أهل الباطل على من يخالفهم في الرأي والموقف.
فقد بلغ عدد جيش عمر بن سعد نحو أربعة آلاف في اليوم الثالث من محرم، بينما لم يتجاوز عدد أصحاب الحسين 72 رجلًا.
ورغم ذلك، تريّث ابن سعد حتى الخامس من محرم لتنفيذ أوامر ابن زياد المباشرة بالهجوم، ما يعكس تردد بعض قادة الجيش الأموي في المواجهة، ومنهم شَبَث بن ربعي الذي استُدعي للمشاركة، فادّعى التمارض، لكنه اضطر تحت التهديد بالقتل إلى الانخراط في المعركة.
وهكذا، فإنّ حلف الشيطان من الطغاة والجبابرة لا يخوض معركة بمفرده، بل يسعى لتشكيل تحالفات، وتحشيد كل قوى الإجرام، جبنًا وخوفًا من الفشل والهزيمة. وهذا ما نراه اليوم أمام أعيننا، من رأس الشرّ والإجرام والجبروت والاستكبار الأمريكي الصهيوني الغربي، وما يفعله في منطقتنا وأمّتنا العربية والإسلامية من استهداف شامل لكل مكوّناتها، ودينها، وأخلاقها، وقِيَمها، ومبادئها السامية، من خلال شنّ الحروب، وإثارة الفتن، وإحداث الأزمات. إنها حرب شعواء لا تُبقي ولا تذر.
وما نراه من جرائم في حقّ أهل غزة اليوم، من إبادة جماعية، وجرائم حرب تُرتكب يوميًّا بحق المدنيين، ليس عن كربلاء ببعيد.
في الختام:
حينما نتناول هذه الأحداث التاريخية، فليس لغرض الوقوف على الأطلال والبكاء عليها أو تخليدها فقط، بل لنأخذ منها الدروس والعِبَر الكافية لما يجب علينا كأمّة مسلمة أن نقوم به من مسؤولية تجاه أنفسنا، وأرضنا، وعِرضنا، وكرامتنا، وديننا.
علينا أن نتصدى لرؤوس الشرّ والطغيان والجبروت والاستكبار، ونقف صفًّا واحدًا، وفي خندقٍ واحد، ونخلع عنا كل الأساليب الشيطانية المفرّقة للوحدة الإسلامية، وأن ننصر إخواننا المستضعفين في غزة بكل ما أوتينا من قوة.
فالله الله يا أمة محمد ﷺ!
إلى متى الصمت، والخذلان، والتواطؤ؟!
ما يحدث لأبناء غزة اليوم من مجازر يومية، وأكثر من مئة شهيد في كل يوم، ومئات الجرحى، وضع مأساوي يفطر القلب، ويبكي الحجر الأصم، نتيجة القتل الممنهج، والحصار الخانق، والإبادة المقصودة أمام مرأى ومسمع العالم.