ما بعد الهزيمة : هل ستقود أمريكا حرباً شاملة ضد إيران وأذرعها ؟
بقلم _ طه حسن الأركوازي
المنطقة تقف على حافة منعطف حاد لم تعد مجرد تكهنات أو تهويلات إعلامية بل معطيات متراكمة تؤكد أن الشرق الأوسط مقبل على مواجهة واسعة النطاق لا تقل خطورة عن الحروب الكبرى التي أعادت رسم خرائط النفوذ في القرن العشرين ، فبعد أن خرجت إسرائيل من حربها الأخيرة مع إيران مثقلة بالخسائر ، ومعنوياً في أدنى حالاتها منذ تأسيس الكيان عام 1948 ، أصبح السؤال المطروح ليس هل ستقع الحرب ، بل متى وكيف .؟
الحرب السابقة التي وصفتها بعض الدوائر الأمنية بأنها أول مواجهة مباشرة بين دولتين في قلب المنطقة منذ عقود كشفت هشاشة الردع الإسرائيلي أمام خصم عنيد مثل إيران يمتلك شبكة واسعة من الحلفاء تمتد من جنوب لبنان إلى اليمن ، ورغم أن الولايات المتحدة ودولاً أوروبية عديدة قدمت دعماً أستخبارياً ولوجستياً متقدماً لإسرائيل إلا أن النتيجة جاءت دون مستوى الطموح الغربي ما مثّل صدمة مزدوجة عسكرية للجيش الإسرائيلي واستراتيجية للمشروع الأمريكي في المنطقة .
لا يبدو أن المعسكر الغربي الذي يضم أمريكا وأوروبا وعدداً من الدول العربية المطبعة مستعد لتجرّع كأس الهزيمة مُجدداً خصوصاً ، وأن هذه المعركة لم تكن مجرد أختبار لقوة السلاح ، بل لصيغة النظام الإقليمي الذي تريد واشنطن فرضه على المنطقة بعد سلسلة من التسويات غير المكتملة في سوريا واليمن والعراق ، الهزيمة تعني أنهيار جدار الردع وأنكشاف المشروع الأمريكي أمام منافسيه الإقليميين والدوليين وتحديداً الصين وروسيا اللتين تتابعان بدقة إعادة التموضع الأمريكي في الشرق الأوسط .
في هذا السياق تبدو ملامح الرد الكبير آخذة بالتشكل تحركات الأساطيل زيارات متكررة لقادة عسكريين إلى قواعد في الخليج تصعيد مفاجئ في ملف البرنامج النووي الإيراني وتكثيف العمليات النفسية والإعلامية ضد طهران كلها مؤشرات على أن طبول الحرب تُقرع بهدوء وأن جولة جديدة من المواجهة تلوح في الأفق لكن هذه المرة لن تكون معركة محدودة النطاق أو مغلقة الجغرافيا ، بل حرباً مُتعددة الساحات قد تمتد من مضيق هرمز إلى المتوسط مروراً بالعراق وسوريا ولبنان وصولاً الى اليمن .
أما العراق فسيجد نفسه مجدداً في قلب الزلزال فالهشاشة السياسية التي يعاني منها والفراغ الاستراتيجي في قراره الوطني يجعله بيئة مثالية لتصفية الحسابات بين الكبار أي حرب جديدة لن تمر دون أن يُستخدم العراق كممر أو ساحة أو هدف سواء من قبل المحور الإيراني أو خصومه الإقليميين والدوليين التجربة أثبتت أن كُل حرب إقليمية كبرى تترك آثاراً عميقة في الداخل العراقي سواء من خلال الضربات غير المباشرة أو عبر تزايد النفوذ الخارجي أو عبر توتير الساحة الداخلية ما يهدد استقرار البلاد الهش أصلاً ، ولا يمكن تجاهل البُعد الاقتصادي الكارثي المحتمل لأي مواجهة قادمة إذ ستتأثر أسواق الطاقة بشكل مباشر ما يعني مزيداً من الضغط على الموازنة العراقية المعتمدة أساساً على صادرات النفط ، وسيزداد الوضع سوءاً مع أحتمال تراجع الاستثمارات ، وتعطل مشاريع الإعمار في ظل بيئة أمنية مضطربة وقلقة .
وفي خضم هذا التوتر تأتي التحولات الأخيرة في السياسة الإيرانية لتضيف مزيداً من التعقيد إلى المشهد فإيران رغم خطابها المتشدد تبعث في الوقت ذاته رسائل مزدوجة إلى الغرب عبر القنوات الخلفية في محاولة لتفادي الحرب الشاملة دون أن تُظهر تراجعاً علنياً ، وبدورها تبدو واشنطن في حالة من التردد الاستراتيجي فهي لا تريد الانجرار إلى حرب مفتوحة قد تُكلّفها ما لا تتحمله في ظل أزمات داخلية وأنتخابات قريبة لكنها في ذات الوقت غير مستعدة لقبول هزيمة حليفها الأقرب في المنطقة .؟
المواقف الدولية متباينة لكنها تترنح حول محور واحد الجميع يخشون الحرب لكنهم يستعدون لها روسيا تراقب وتنتظر فرصة لمزيد من الضغط على واشنطن من خاصرتها الشرق أوسطية والصين تتخذ موقف الحذر بينما تُرسخ موقعها الاقتصادي في دول الخليج والاتحاد الأوروبي يسعى للعب دور الوسيط لكنه يفقد تدريجياً أدوات التأثير ، وإذا ما أندلعت الحرب الشاملة فإن معادلات النفوذ ستُعاد صياغتها وستخرج المنطقة من عنق زجاجة التوازنات المرتبكة إلى ميدان الفوضى الواسعة والقلق هنا لا يقتصر على الجانب الأمني فقط بل على مصير الدول الهشة ومنها العراق ولبنان وسوريا والاردن التي قد تنهار تحت وطأة الصدمة أو تتحول إلى أدوات في صراع تتجاوز حساباته حدودها .؟
المفارقة أن من يدفع ثمن تلك الحروب هم الشعوب بينما تُدار المعارك فوق الطاولة من قبل تحالفات وتحالفات مضادة تتقاطع مصالحها عند النفط والغاز والسلاح وبينما تنشغل الشعوب بالنجاة من تبعات الحرب تنهمك القوى الكبرى في إعادة رسم خرائط النفوذ على طاولة المفاوضات بعد كل موجة من الدمار .
العراق الذي لم يشفَ بعد من حروبه السابقة مطالب اليوم بأن يعي حجم الكارثة المقبلة إن ظل رهينة للفراغ الاستراتيجي وتعدد الولاءات فليس في مصلحة العراق أن يكون ساحةً لتصفية الحسابات أو ممراً للصواريخ ، بل أن يعيد تشكيل سياسته الخارجية وفق مبدأ “تحييد الذات الإيجابي” على أن يُحصّن جبهته الداخلية من الانهيار وأن يُعيد الاعتبار لمفهوم الدولة بوصفها الفاعل الوحيد في تقرير مصير البلاد لا القوى السياسية التابعة ولا الفصائل المتناحرة .