الحسين ليس قضية طائفة… بل قضية أمة.
بقلم _ بشير ربيع الصانع
إن من أعظم صور الجهل وأبشع مظاهر الانحراف أن ترى في هذا الزمن من يُسيء حين يُذكر الإمام الحسين بن علي، سبط رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فيتطاول، ويتهجم، ويحرّض، ويتهم، وكأن الحديث عن الحسين جريمة، أو كأن ذكره تهمة، أو كأن البكاء على مظلوميته فتنة!
وهذا – والله – هو قمة الجهل، بل هو عين الانحدار في الفهم، والخذلان في الموقف، والانفصام عن حقيقة الدين وروح الرسالة.
أيها العقلاء في أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم…
كيف يُعقل أن يكون الإمام الحسين، وهو الذي تربّى في حجر النبوة، ونشأ في ظلال الرسالة، والذي كان يُقبّله النبي ويشمه، ويقول فيه: “حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينًا”… كيف يُعقل أن يُعادى من قبل من يزعمون اتباع رسول الله؟!
كان من الواجب على هذه الأمة، بكل مذاهبها وتوجهاتها، أن تتفق وتتحد على محبة الحسين، وأن تُجمع كلمتها على تعظيمه وتوقيره، وأن تُعلن براءتها من قاتليه، لا أن تختلف على اسمه، ولا أن تفتعل الخصومة عند ذكره، ولا أن تُشيطن مجالس الوعي التي تُستحضر فيها بطولته وخروجه في سبيل الله.
وإن أعظم الجفاء لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يُجعل الحديث عن سبطه الكريم سببًا للشقاق، أو مثارًا للتهمة، أو موضعًا للريبة، بدل أن يكون مجالًا للاتحاد، ومبعثًا للإحياء، ومحرّكًا للهمم نحو الإصلاح والتضحية.
أليس الحسين ممن نزلت فيهم آية التطهير، تلك التي قال الله فيها: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾؟
أليس هو ممن دخل مع النبي في المباهلة، حين جاء النصارى، فأخذ معه عليًا وفاطمة والحسن والحسين وقال: “اللهم هؤلاء أهلي”؟
أليس هو قُرّة عين فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة، وابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، باب مدينة علم النبي، وسيفه في وجه الباطل؟!
فبأي منطق، وأي ميزان، تُختزل هذه العظمة كلها في طائفة، أو يُزج باسم هذا الإمام في معارك الانقسام؟!
إن الحسين ليس حكرًا على طائفة دون طائفة، ولا مذهب دون مذهب، بل هو رمز لكل من أراد أن ينتصر للحق، ودرس خالد لكل من أراد أن يعيش حرًا ويموت كريمًا، ودليل على أن الدم الزكي قد يكون أقوى من سيوف الطغاة إذا كان في سبيل الله.
ويا للأسى، ويا للحسرة…
حين غاب صوت الهداة من أبناء بيت النبوة، تسيّد المنابر أناس لا يعرفون الحق، ولا يتبعون الهدى، فتسلق على الأمة طغاة لا يهمهم أمر الدين، ولا تعنيهم آلام المستضعفين، كل همهم أن تبقى عروشهم قائمة ولو على جماجم الشهداء، وأن تبقى كراسيهم ثابتة ولو زالت الكعبة، وضاعت القدس، وتحوّل الدين إلى طقوس بلا روح، وإلى شعارات بلا موقف!
وها نحن اليوم نرى بأعيننا واقعًا تُداس فيه القيم، وتُنتهك فيه المقدسات، وتُسفك فيه دماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وليس هناك من يقف في وجه الطغيان كما وقف الحسين، ولا من يصرخ بوجه الظالم كما صرخ:سوى من نهج هذا النهج المتمثل اليوم في محور المقاومة.
(إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا، ولا ظالمًا ولا مفسدًا، ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي)
وإن من أقسى ما يمكن أن يصيب الأمة، أن يُطارد صوت الإصلاح، ويُلاحق الناهون عن المنكر، ويُخوَّن من يقتدي بالحسين ويستنهض القيم في زمن التردي والانهيار.
إن الحديث عن الحسين ليس ماضٍ يُستعاد، ولا مجرد ذكرى تُبكى، بل هو مشروع حيّ، متجدد، قائم في ضمير الأمة، يشهد على من ناصر وعلى من خذل، وعلى من بايع بصدق وعلى من باع بثمن بخس.
فطوبى لمن وقف حيث وقف الحسين، وخاب وخسر من وقف حيث وقف يزيد، وإن لبّس على نفسه ألف لبوس.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يسيرون بسيرة الحسين، ويقتفون أثره في الصدق والشجاعة، والعدل والإصلاح، وأن لا يجعلنا ممن يخذل الحق أو يُميع الباطل، أو يسكت عن الجريمة متذرعًا بالحكمة الزائفة، أو الحياد الكاذب.