طهران .. بين خيار المواجهة او المساومة

  بقلم _ قاسم الغراوي
رئيس مركز انكيدو للدراسات

في الثاني من يوليو 2025، أعلنت إيران تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، ما أثار موجة استنكار وتحذيرات من جانب الغرب وإسرائيل، التي رأت في الخطوة دليلاً على نوايا طهران العسكرية الخطيرة. يأتي هذا القرار في سياق تصاعد التوتر بين إيران والغرب، خاصة بعد سلسلة من الغارات الجوية الأميركية والإسرائيلية على مواقع نووية إيرانية في يونيو 2025.

قرَّر الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان، استنادًا إلى قانون صادق عليه البرلمان، تعليق كافة أشكال التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك تفتيش المواقع ومراقبة أجهزة الكشف، وذلك إلى حين ضمان “سلامة منشآتنا النووية وعلمائنا” عقب الغارات التي استهدفت منشآت فردو ونطنز وأصفهان بين 13 و22 يونيو 2025 . يرى المشرّعون الإيرانيون أن صمت الوكالة تجاه تلك الغارات “يُعد تواطؤًا” مع ما وصفوه بـ “الاعتداءات الصهيونية والأميركية” .

اختارت طهران طريق المواجه الاستراتيجية على المساومة لعدة اعتبارات:
أولاً : استثمار المزاج الوطني المناهض للغرب بعد استهداف منشآتها، ما يعزز جبهة الداخل وتقوية الدعم الشعبي للنظام.
ثانياً : إرسال رسالة لواشنطن وتل أبيب بأن أي ضربة مستقبلية ستواجه بردٍ أقوى بما في ذلك تسريع تطوير قدراتها النووية.
ثالثاً : إضعاف دور الوكالة الدولية كوسيط في المفاوضات، ما يُلزم القوى الكبرى بالجلوس إلى طاولة جديدة بشروط إيرانية أكثر قبولاً لطهران، أو مواجهة تصعيد أكبر.
بعبارة أخرى، ترى القيادة في طهران أن تغيير قواعد اللعبة عبر المواجهة أفضل من البقاء في إطار تفاوضي محكوم بشروط دولية قد لا تضمن مصالحها الاستراتيجية.

واما النظرة الإسرائيلية ومن منظور تل أبيب، إن تعليق إيران للتعاون مع الوكالة يشكل مؤشرًا واضحًا على أنها لا تسعى للاحتفاظ ببرنامج نووي سلمي فحسب، بل تخفي توجّهات نحو تحقيق قدرة عسكرية نووية. فقد حذّرت إسرائيل، عبر مسؤولين كبار، من أن خطوة التعليق “تمهد الطريق أمام استئناف تخصيب اليورانيوم بدرجات تصل إلى ما قبل الأسلحة”، داعية المجتمع الدولي إلى فرض “عقوبات فورية واسترجاع جميع القيود” بموجب آليات الاتفاق النووي لعام 2015 . وترى تل أبيب أن غياب رقابة الوكالة يعني عدم قدرة المجتمع الدولي على التحقق من أنشطة إيران الفعلية، مما يثير خشيتها من “سباق تسلح نووي” في المنطقة.

يمثل تعليق التعاون مع IAEA نقطة انعطاف خطيرة في معركة النفوذ الاستراتيجي ولها انعكاسات وتعقيدات المنطقة في الشرق الأوسط. فبدلًا من احتواء التوتر عبر قنوات دبلوماسية، قد تدفع الخطوة باتجاه المزيد من التصعيد العسكري والاستخباري. فالدول الخليجية وتركيا قد تتخذ مواقف أكثر تشدّدًا ضد إيران، بينما تضغط واشنطن على حلفائها في أوروبا لإعادة فرض العقوبات الأممية وجعل طهران “معزولة ” دبلوماسيًا.
في المقابل، تسعى موسكو وبكين لدعم الموقف الإيراني، معتبرين أن الضغط الغربي أدى إلى تفاقم الأزمة، كما جرى في اتصال قادة فرنسا وروسيا لمحاولة إعادة طهران إلى طاولة المفاوضات .

اختيار طهران طريق المواجهة لا المساومة بإيقاف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يعكس رهانات استراتيجية داخلية وخارجية، لكنها في الوقت ذاته تغذي مخاوف إسرائيل والدول الغربية من نوايا عسكرية نووية إيرانية.
ومع تزايد الاستقطاب، تظل الفرصة قائمة أمام مبادرات دبلوماسية جديدة تنطوي على ضمانات أمنية لطهران وتخفيف ضغوط تل أبيب وواشنطن. إلا أن المسار الراهن يشي بأن المنطقة مقبلة على مرحلة أشدّ هشاشة، ما يستدعي تضافر جميع الأطراف لتفادي “انزلاق نووي” لا تحمد عقباها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى