المشروع الأميركي في الشرق الأوسط له أهداف، وأدوات، ومواجهة نتيجة التحولات…
بقلم _ إسماعيل النجار
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، شكّلت منطقة الشرق الأوسط محورًا رئيسيًا في الاستراتيجية الجيوسياسية الأميركية. وتزايد هذا الاهتمام في العقود الأخيرة نتيجة أهمية الموقع الجغرافي،وما تمتلك المنطقه من إحتياطي النفط والغاز، وتأكيد ضمان أمن “إسرائيل”، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي في صراعات النفوذ العالمي. المشروع الأميركي في الشرق الأوسط ليس خطة موحّدة أو معلنة رسميًا، بل هو إطار استراتيجي طويل المدى يسعى لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم المصالح الأميركية العليا ويرضي الدولة العميقة.
الجذور والأهداف الاستراتيجية لأميركا تهدف إلى السيطرة على الموارد الطبيعية لأن الشرق الأوسط يحتوي على أكثر من نصف احتياطات النفط العالمية، وبالتالي فإن ضمان وصول الشركات الأميركية إلى هذه الموارد بأسعار مستقرة يُعدّ من أولويات واشنطن.
ثانياً لدى أميركا هاجس ضمان أمن “إسرائيل” فمنذ عام 1948، يشكل أمن “إسرائيل” بالنسبة لها حجر الزاوية في سياساتها في المنطقة، عبر تقديم الدعم العسكري والاقتصادي، واحتواء أية قوة تهدد تفوقها الإقليمي.
ثالثاً تعهد واشنطن منع صعود أي قوى معادية للكيان الصهيوني لذلك تسعى دائماً إلى منع ظهور قوة إقليمية منافسة (مثل إيران أو العراق سابقًا)، يمكن أن تزاحم نفوذها في المنطقه.
رابعاً تسعى واشنطن إلى التحكم في الممرات البحرية الهامة كمضيق هرمز، وقناة السويس، وباب المندب،التي تعتبر شرايين استراتيجية للتجارة العالمية والطاقة.
خامساً أهم أدوات المشروع الأميركي في الشرق الأوسط تأتي عبر التحالفات الإقليمية مع أنظمة المنطقه فهي تستخدم تحالفاتها مع أنظمة موالية لها (كالسعودية، والإمارات، والأردن، ومصر) لتأمين نفوذها، ولعب دور “الوكيل” في تنفيذ السياسات الأميركية.
لتثبيت وجودها دَعّمَت سياساتها بقواعد عسكرية ضخمة وتواجد عسكري بري كبير. حيث تنشر أكثر من 40 ألف جندي على مستوى المنطقة، في قواعد منتشرة في كامل دُوَل الخليج والعراق وسوريا، لضمان الردع السريع وحماية المصالح الحيوية.
من أجل ذلك إستخدمت الحكومة الأميركية القوة الناعمة لتدجين الأنظمة والشعوب العربية والإسلامية عبر تغيير جذري شمل مناهج التعليم في كافة الدول المُطبعه،والإعلام،والثقافة، ومؤسسات المجتمع المدني المدعومة من واشنطن، لبناء نموذج فكري وثقافي متماهٍ مع القيم الليبرالية الأميركية.
أما دبلوماسيتها الإقتصادية عملت عبر أدوات مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، واتفاقيات التجارة الحرة، حيث كانت تسعى الولايات المتحدة دائماً لإدماج اقتصاديات المنطقة ضمن السوق العالمية بما يرسخ التبعية الاقتصادية لها.
أما مراحل تطور مشروعها السياسي في مرحلة الحرب الباردة (1945–1991) كان التركيز فيها على احتواء النفوذ السوفييتي ودعم الأنظمة “المعتدلة” في مواجهة القومية العربية، مثل دعم شاه إيران، وتدخلها في لبنان في حقبة الثمانينيات ودعم آسرائيل لإجتياحه والقضاء على المقاومة الفلسطينية.
أما في مرحلة الهيمنة الأحادية(1991–2001) بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ظهرت الولايات المتحدة كقوة أحادية، فرضت رؤيتها على العالم من خلال “الشرق الأوسط الجديد” و”الاحتواء المزدوج” لإيران والعراق. لكن بعد مرحلة 11 سبتمبر (2001–2011) أطلقت واشنطن “الحرب على ما أسمته الإرهاب”، وغزت أفغانستان والعراق، بحجة محاربة “الأنظمة المارقة” وتغييرها ديمقراطيًا وتسببت في موت مئات الآلاف وتدمير البلدين. ثم إنتقلت بعدها إلى مرحلة الفوضى الخلاقة (2011– لغاية الآن) فمع “الربيع العربي”، دعمت الولايات المتحدة عمليات تغيير الأنظمة، لكنها أيضًا أبقت على سياسة ضبط التوازن بين القوى، مما أدى إلى نشوء بيئة من عدم الاستقرار الطويل الأمد، تسمح للنفوذ الأميركي بالاستمرار تحت غطاء مكافحة الإرهاب أو دعم “التحولات لكنها واجهت تحديات وصعوبات كبيرة وأهم تحديات المشروع الأميركي
صعود قوى جديدة: مثل روسيا (في سوريا) والصين (اقتصاديًا عبر “الحزام والطريق”). وإيران ومِحور المقاومة وصعود نجم اليمن وحزب الله وغيرها.
فشلت أدوات واشنطن في التصدي لإيران وحلفائها وخُلق جو من فقدان الثقة بهم خصوصًا بعد الانسحاب من أفغانستان، وتذبذب الموقف إتجاهها من حلفاء الخليج. فتزايد النفوذ الشعبي المعادي للولايات المتحدة، خاصة مع تصاعد الحركات المقاومة (مثل حزب الله، والحشد الشعبي، وأنصار الله).
لقد تم انكشاف تناقضات المشروع الليبرالي الأميركي في دعم أنظمة استبدادية تابعة لواشنطن، ما يقوّض مصداقية الخطاب الأميركي.
فأصبح هاجس المستقبل المحتمل للمشروع الأميركي كبيراً دوائر القرار في واشنطن ونال حيزاً كبيراً من الإهتمام.
فرغم تراجع التدخلات العسكرية المباشرة للقوات الأميركية، فإن المشروع الأميركي لا يزال مستمرًا لكن بأدوات أكثر مرونة مثل التحالفات الأمنية (“كالناتو العربي” و”اتفاقيات أبراهام”)،والتركيز على الحرب السيبرانية، وإدارة الفوضى بدلاً من القضاء عليها، وتوظيف التنافس الإقليمي (السعودية/إيران، تركيا/مصر) لموازنة القوى. ومع كل ذلك، يواجه المشروع الأميركي تحديًا متناميًا من قوى مقاومة محلية، وصعود نموذج عالمي متعدد الأقطاب، قد يُفضي إلى إعادة رسم الخرائط الجيوسياسية للمنطقة. في النهاية أن المشروع الأميركي في الشرق الأوسط ليس مجرّد سياسة خارجية، بل هو منظومة متكاملة تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم المصالح العليا للولايات المتحدة الأميركية على حساب سيادة شعوبها. لكنه مشروع يتعرض الآن إلى حالة تآكل تدريجية، مع تنامي الوعي الشعبي، وصعود قوى إقليمية ودولية جديدة قادرة على تحدي الهيمنة التقليدية.
بيروت في … 3/7/2025