ميرزا محمد بروجردي “القائد الإنساني في محراب الجهاد والروح الثورية”

بقلم _ رسول حسين أبو السبح

بمناسبة شهر الشهادة شهر المقاومة، عاشوراء الحسين عليه السلام، من الواجب استذكار القادة الشهداء وتضحياتهم، ولعل أبرزهم الميرزا بروجردي، حين يُذكر اسم “ميرزا محمد بروجردي”، يتداعى إلى الأذهان اسم قائد فذّ جمع بين حرارة العقيدة، ودفء الإنسانية، وعقلية التخطيط الميداني الصارم. فهو من أوائل الرجال الذين بادروا بتأسيس نواة العمل الجهادي المقاوم في إيران ما بعد الثورة، وأسهم بذكائه النادر وصفاته القيادية المتزنة في رسم ملامح الحرس الثوري ومؤسسته، حتى أصبح نموذجًا يحتذى في القيادة الإنسانية الجهادية.

 

الفصل الأول: النشأة والجذور العقائدية

وُلد ميرزا محمد بروجردي في عام 1333هـ ش (1954م) في مدينة بروجرد الواقعة في محافظة لرستان. نشأ في بيئة دينية ملتزمة، وكان منذ صغره مولعًا بحضور المجالس الحسينية والدروس الفقهية التي يُقيمها العلماء في تلك المنطقة، حيث تأثر كثيرًا بالعلماء الكبار مثل الإمام الخميني قدس سره، مما زرع في داخله ميلًا قويًا نحو الالتزام الديني والسياسي في آنٍ واحد¹.

¹ (الشهيد بروجردي: دروس من سيرة القادة، تأليف محمد رضا يزدي، ص12)

 

الفصل الثاني: بوادر التمرّد على الظلم ومناهضة الشاه

انخرط بروجردي في الحراك الثوري المناهض لنظام الشاه في سبعينيات القرن العشرين، متأثرًا بخطب الإمام الخميني. وقد قام بعدة نشاطات سرية ضد النظام، منها توزيع المنشورات الثورية، وحرق المراكز الأمنية، فضلًا عن تنظيم الخلايا الثورية المسلحة في طهران².

² (الشهيد محمد بروجردي، دار الثقافة الإسلامية، طهران، 2012، ص35)

 

الفصل الثالث: دوره في تأسيس الحرس الثوري

بعد انتصار الثورة الإسلامية في 1979، كان بروجردي من أبرز المؤسسين للحرس الثوري الإيراني، حيث لعب دورًا مهمًا في تنظيم صفوفه وتحديد عقيدته العسكرية المستمدة من فكر الإمام الخميني. وقد كُلّف بمهام أمنية وعسكرية حساسة في العاصمة طهران، وتميز بنجاحه في القضاء على شبكات الفساد والتآمر في تلك المرحلة³.

³ (تاريخ الحرس الثوري، تأليف حسين بهشتي، ط. جامعة الإمام الصادق، ص78)

 

الفصل الرابع: العقل المدبّر لجهاد كردستان

تُعتبر كردستان إحدى أبرز المحطات في حياة الشهيد بروجردي، حيث أُرسل إليها لمواجهة التمرد المسلح الذي قادته بعض الأحزاب الانفصالية في شمال غرب إيران. وقد تمكن من تهدئة الأوضاع هناك، ليس فقط من خلال القوة، بل عبر خلق نوع من التعايش مع السكان المحليين، وتقديم الخدمات لهم، وكسب قلوبهم⁴.

⁴ (الشهيد بروجردي في كردستان، مركز توثيق الثورة الإسلامية، ط. 2005، ص91)

 

الفصل الخامس: الصفات القيادية الفريدة

تميّز الشهيد بروجردي بصفات قيادية قلّ نظيرها؛ فقد كان يتمتع بحزم إداري وعسكري صارم، إلى جانب تواضع جمّ وإنسانية عميقة. لم يكن يرضى أن يُميّز نفسه عن الجنود، وكان يشاركهم في الطعام والنوم والعمل، حتى قال عنه أحد رفاقه: “كان يتصرف وكأنه جندي عادي، ولكن بعقلية قائد عسكري استراتيجي”⁵.

⁵ (مذكرات الحاج حسين خرازي، رواية علي شورى، ص112)

 

الفصل السادس: الروح الإنسانية في قلب المعركة

من أبرز المظاهر التي خلّدت بروجردي في الذاكرة الشعبية هي روحه الإنسانية. فعلى الرغم من قسوة الظروف الأمنية والعسكرية، كان يحرص على كسب القلوب قبل السيطرة على الأرض. وكان يوصي جنوده دومًا بعدم التعرض للمدنيين أو الإساءة إليهم، وكان يشرف بنفسه على توزيع المساعدات في القرى الكردية المتضررة⁶.

⁶ (الشهيد محمد بروجردي: فارس الإنسانية، بقلم محسن كريمي، ص67)

 

الفصل السابع: شهادات من رفاق دربه

يقول الشهيد علي هاشمي، أحد قادة الحرس الذين رافقوا بروجردي: “كان ينام في العراء، ويأكل أقل الطعام، ويقرأ القرآن كل ليلة. لم نرَ في حياته لحظة ترف أو كسل، بل كان مجاهدًا في النهار، وعابدًا في الليل”⁷.

⁷ (مذكرات الشهداء، سلسلة سرد، الجزء الثالث، ص201)

 

الفصل الثامن: محبة الناس ومكانته بين الأكراد

كان للأكراد في غرب إيران محبة خاصة لبروجردي، حتى أطلقوا عليه لقب “مسلم كردستان”. وقد وثّق المؤرخون شهادات كثيرة عن بكاء الأهالي بعد استشهاده، حتى أن بعض القرى أقامت مجالس عزاء له رغم أنه كان جزءًا من القوة الإيرانية الرسمية، ما يعكس حجم الثقة والود الذي زرعه بينهم⁸.

⁸ (رواية أهل كردستان، تحقيق جعفر نجفي، ص89)

 

الفصل التاسع: شهادته المفجعة

استُشهد القائد بروجردي في الأول من حزيران/يونيو 1983 إثر انفجار عبوة ناسفة في الطريق بين مهاباد وناودشت، خلال مهمة ميدانية. وقد اعتُبرت شهادته خسارة كبيرة للمؤسسة العسكرية الإيرانية، وخرجت في جنازته حشود غفيرة من مختلف المناطق، تندب قائداً قلّ نظيره⁹.

⁹ (الشهيد الخالد، تأليف علي أكبر محمدي، ص144)

 

الفصل العاشر: ميراثه الجهادي والفكري

خلّف بروجردي أثرًا عميقًا في البنية التنظيمية للحرس الثوري، فضلًا عن تقديمه نموذجًا جديدًا للقائد المسلم: المجاهد، المتواضع، الإنساني، والشجاع. كما أوصى قبل شهادته بوجوب مواصلة الجهاد، والتعامل مع الشعوب بالمحبة والحكمة، لا بالقسوة والعنف¹⁰.

¹⁰ (وصية الشهيد بروجردي، أرشيف مؤسسة الشهداء، رقم الوثيقة: 4287)

لم يكن الشهيد ميرزا محمد بروجردي مجرد قائد عسكري، بل كان رمزًا لروح الثورة الإسلامية في بعدها الإنساني والعقائدي. لقد ترك بصمة واضحة في قلوب المجاهدين والسكان المحليين على حدّ سواء، وأثبت أن القيادة الحقيقية ليست بالسلطة فقط، بل بحب الناس، وصدق النية، والتضحية بلا حدود. إن دراسة سيرة هذا القائد تشكل درسًا حيًا في فن القيادة الإسلامية المتكاملة، القائمة على الجهاد والرحمة في آنٍ واحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى