أزمة رواتب الحشد والصمت الرسمي … هل هي إشكاليات مصرفية أم مقدمة لما هو أخطر؟
كنوز ميديا _ متابعة
أزمة مفاجئة عصفت بملايين العراقيين على حين غفلة اسمها (أزمة رواتب الحشد الشعبي) إذ منعت الشركة المسؤولة عن صرفها، وليس كل الناس يعرفون آليات العمل المصرفي والصرف الإلكتروني ، لذلك بقي منتسبو الحشد يضربون أخماساً بأسداس، هناك قيادة عامة للقوات المسلحة هم جزء منها، وهناك هيئة وطنية للحشد الشعبي تدير شؤونه، وهناك لجنة الأمن والدفاع النيابية التي تمثل الحشد وغيره، لكن كل هذه الجهات القيادية لاذت بالصمت وفقدت التزامها بالشفافية في هذه القضية الحساسة، وكان المشهد مؤلما، فأصحاب المكاتب المكيفة الذين يتسلمون رواتبهم بالملايين جاءتهم رواتبهم مثل كل شهر مرزومة وهم في مكاتبهم التي لم يجلسوا فيها ولم يتمتعوا بكل هذا النعيم إلا بدماء الحشد وتضحياته وشهداءه، ولو لم يكن الحشد لما كانوا ولا حكموا، لم نسمع احدا يخرج بتوضيح او بيان عن هذه الأزمة، وكأن الأمر لا يعنيهم بل ان بعض الاعداء المبغضين وعديمي الوفاء ملأوا مواقع التواصل بعبارات الشماتة والسخرية، قالوا وهم مبتهجون ان أميركا هي التي قطعت رواتب الحشد، وهذا التعبير لوحده إهانة بشعة لسيادة البلد ومصداقية نظامه السياسي ومؤسساته وقواه الوطنية!
هذه الأزمة فضحت فقدان التضامن من البعض مع اسود العراق وحماته وعنوان عزته وكرامته، وكان سكوت المعنيين هو الاقسى، تأخر الرواتب في جانبه المادي يعني ان المسؤولين عن هذه المؤسسة العسكرية الرسمية لم يأخذوا حذرهم لمثل هذا اليوم فيؤسسوا آليات صرف تمنع وقوع هذا الخلل، في وقت يعلم الجميع ان تأخر الرواتب او قطعها يعني كارثة معيشية لمئات الآلاف من الأسر العراقية ومشروع تجويع خطير.
المفارقة في هذا الحدث ان الحشد كان ينتظر الحصول على استحقاقاته المؤسسية الطبيعية التي تأخرت كثيرا، كمنظومة التدريب والإعداد ونظام الدورات والرتب والهيكلية والتسليح ونظام الخدمة والتقاعد، لكنهم فوجئوا بهذا الحدث الذي يفسر بأنه تهديد اولي بقطع الأرزاق الذي هو اخطر من قطع الاعناق، لا نعرف سبب منع توزيع رواتب الحشد لكننا نعرف انه مهما كانت أسبابه يشكل استفزازا للشعب العراقي كله وتحديا لأهم قطاع من قطاعات قواته المسلحة، والاستفزاز هذا يعني الاستعداء والاستعداء له عواقب وخيمة في وقت تتهيأ القوى السياسية لخوض الانتخابات وهذا يعني انهم يجبرون الحشد وامتداداته الاسرية والعشائرية على عدم الاهتمام بهذه الانتخابات، وما يعنيه ذلك من حسابات مسبقة تخص التوازن المكوناتي وما يخطط له دعاة قلب هذا التوازن لازاحة المكون الاكبر وهو حاضنة الحشد الاجتماعية.
هناك معادلات في هذا السلوك المريب لحد اليوم لم يفهمها القابعون في الظل، فالتجويع لا يؤدي دائما الى التبعية والذل، بل يمكن ان يكون العكس فمن يجوعون الأسود فعليهم ان يعرفوا انها لا ترضخ بل تفترس، وصولتها لا يقوى عليها احد ممن نعرفهم جيدا.
صحيح ان المشكلة جرى حلها جزئيا هذا الشهر ولكن ماذا عن الاشهر المقبلة ؟ وماذا عن عاصفة التهديدات الإعلامية للحشد من الأبواق الذليلة ذات الانفاس الداعشية ؟فمنهم من يهدد الحشد بحله والغاءه ومنهم من ينادي بضمه، وهذا ربما دليل على ان أزمة رواتب هذا الشهر وراءها ما وراءها من المشاريع المشبوهة، لماذا لا تحاسب الحكومة الذين يهاجمون الحشد في الاعلام؟ لماذا لا تحمي الدولة الحشد من الرسائل الإعلامية التي تخدم العدو؟ فمتى يشعر رجال الدولة بالمسؤولية تجاه سيدهم الحشد؟ ومتى يتكلم المعنيون لنفهم على وجه التحديد ماذا يجري؟ وهل انها حقا مجرد أزمة عابرة سببها تغيير شركة الصرف؟ ستكشف الايام المقبلة خلفيات الازمة الحقيقية واهدافها ومن يقف وراءها، ونرجوا ان نكون مخطئين في بعض تصوراتنا فتعود الامور الى وضعها الطبيعي.
مركز بدر للدراسات الاستراتيجية
٢٠٢٥/٧/٣