من الدوحة إلى غزة ..  ترتيبات غير مسبوقة تضع قادة حماس أمام خيارات حاسمة، وسط ضغط أمريكي وتسويات مشروطة.

   بقلم _ قاسم الغراوي

رئيس مركز انكيدو للدراسات 

 

تشهد الساحة الفلسطينية–الإسرائيلية تحوّلات حاسمة مع انتقال ملف التوصل لتهدئةٍ بين إسرائيل وحركة حماس من جولات التفاوض التقليدية إلى ترتيبات غير مسبوقة تمتد من عواصم المحور الإقليمي في الدوحة إلى قلب المواجهة في غزة. تأتي هذه التطورات في ظل ضغوطٍ أمريكية مفتوحة على الحكومتين الإسرائيلية وحماس ودعواتٍ متبادلة للتنازل عن مكاسب جوهرية مقابل وقفٍ فوري للأعمال القتالية وبدء عملية إعادة الإعمار وتخفيف المعاناة الإنسانية في القطاع المُحاصر .

 

منذ أيار/مايو 2025، احتضنت قطر اجتماعاتٍ سرية بين وفودٍ من حماس ومبعوثين أمريكيين ومصريين بدعمٍ قطري رسمي. وطُرحت خلال هذه الاجتماعات، التي انعقدت في الدوحة، سلسلة من النقاط الجوهرية تشمل:

⁃ تسليم قادة الحركة لأسلحتهم الشخصية كخطوة رمزية لبدء الثقة المتبادلة .

⁃ آليات مراقبة دولية لضمان وقف إطلاق النار، تشمل إشراف الهلال الأحمر والصليب الأحمر.

⁃ استئناف المساعدات الإنسانية بصورة مؤقتة خلال فترة الهدنة، مع وضع سقوف زمنية واضحة لصرف دفعات المساعدات.

دخلت الولايات المتحدة الخط مباشرةً بعد إعلان الرئيس الأمريكي عن اتفاقٍ أولي لتهدئةٍ مدتها 60 يومًا، ربطت بين وقف إطلاق النار الكامل وسلسلة من البنود الصارمة التي تضمن:

1- انسحاب جزئي لإسرائيل من مناطق محددة في غزة، مع إبقاء القوة على تخوم القطاع لضمان عدم تجدد إطلاق الصواريخ

2- إطلاق سراح دفعاتٍ من الرهائن الإسرائيليين مقابل الإفراج عن معتقلين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

3- ربط أي تمديدٍ للهدنة بتحقيق تقدمٍ فعلي في إعادة الإعمار وفتح معابر جديدة للمساعدات الإنسانية .

 

وتعد هذه البنود ذاتها محور صراع بين تيارات داخل الحركة، حيث يراها فريقٌ منها استجابةً لضغوطٍ دولية تسهم في تخفيف الضغط المُدَمر على المدنيين في غزة، فيما يراها آخرون تنازلاتٍ تصاعدية قد تُضعف من قدرة حماس على مواصلة الكفاح المسلح في المستقبل.

 

اما خيارات حماس الحاسمة تواجه في الدوحة وغزة خياراتٍ متعددة محفوفة بالمخاطر:

1- قبول الصفقة بالكامل بما في ذلك تسليم سلاح شخصي محدود وإبداء المرونة تجاه المطالب الأمريكية–الإسرائيلية، ما قد يُفتح الباب أمام هدنةٍ طويلة الأمد ويخفف أعباء الحصار الإنساني .

2- تعديل البنود أو رفضها جزئيًا من أجل تحقيق المزيد من المكاسب مثل ضمان انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من المناطق المحتلة عام 2005 وما بعدها، مع احتمال تجميدٍ جزئي للمساعدات الإنسانية حتى إقرار بنود إضافية.

3- مقاومة الضغوط ومواصلة المواجهة إذا اعتُبرت الشروط مجحفة أو تمسّ بصورة الحركة وشرعيتها أمام قواعدها الشعبية.

4- الانقسام الداخلي بين قيادة الخارج في الدوحة وقيادة الميدان في غزة، ما يزيد من صعوبة اتخاذ قرارٍ موحّد يضمن تنفيذ أي تفاهم.

 

تندرج شروط التسوية الأمريكية–الإسرائيلية تحت مسارين رئيسيين:

1- مسار الأمن والانسحاب ويتطلب انسحابًا جزئيًا أو كليًا للقوات الإسرائيلية وفق جداول زمنية محددة، مع نشر قوات متعددة الجنسيات أو رقابية لضمان عدم تجدد إطلاق الصواريخ نحو العمق الإسرائيلي .

2- مسار الإنسانية والإغاثة وفتح معابر جديدة ودائمة لإدخال المساعدات، والبدء الفوري ببرنامج إعادة إعمار يطال البنى التحتية الحيوية في غزة مقابل الإفراج عن دفعاتٍ متبادلة من الأسرى والرهائن.

 

وترتبط آليات المراقبة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية لمراقبة أي نشاط استثماري أو عسكري داخل الأنفاق أو المواقع المدنية.

إذا نجحت الدوحة في اجتياز هذه المرحلة بدبلوماسيةٍ مرنة، فقد نكون على أبواب هدنةٍ طويلة الأمد قد تمتد لأكثر من ستة أشهر، تتيح فسحةً لإعادة الإعمار ووقف نزيف الدم. أما إذا فشلت، فستكون حماس أمام مخاطر الانزواء الدولي والحصار الدبلوماسي وتضييق الخناق العسكري على غزة. وفي الحالتين، ستبقى العاصمة القطرية نقطة التقاءٍ مركزية لحل النزاع، في ظل تقاطعاتٍ إقليمية ودولية تضع سقوفًا للمفاوضات وشروطًا لا تترك مجالًا للتساهل .

2/7/2025

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى