عبادة الحدود والرايات التي صنعها المحتل تُأخر ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه؟

بقلم _ ضياء ابو معارج الدراجي 

 

كثيرًا ما يُطرح هذا السؤال بين المؤمنين والمترقبين لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه: لماذا تأخر ظهوره؟ ولماذا لم يتحقق الوعد الإلهي الذي ننتظره منذ قرون؟ لكن الحقيقة المؤلمة هي أننا نحن من يؤخر هذا الظهور.

إننا ننتظر الإمام، لكن الواقع أن الإمام هو من ينتظرنا؛ ينتظر أن نكون قاعدة موحدة له، لا تفرقنا الحدود الجغرافية التي رسمتها قوى الاستعمار، ولا تمزقنا شعارات الوطنية الضيقة التي وضعتها أنظمة صنعها الغرب لتُضعف الأمة وتشتتها.

نحن من جعلنا الوطنية مرادفًا للخضوع للأمر الواقع، حتى وإن كان ظالمًا وفاسدًا، وصرنا نحاكم أي مشروع تحرري أو إلهي بمنطق “الجنسية” و”جواز السفر” لا بمنطق القيم والحق والعدل.

لو عدنا بالزمن إلى عهد الإمام الحسين عليه السلام، وتخيلنا أن الحسين عليه السلام أرسل لنا رسائل ليأتي للعراق، وهو رجل من أهل الحجاز (السعودية حاليًا)، فكيف سيكون موقف أولئك الذين يرفعون اليوم شعارات “الوطن أولاً”؟ ألن يتهموه بأنه جاء لانقلاب خارجي؟ ألن يقولوا إن هذا تدخل سعودي في شؤون العراق؟ ألن يتهموا أنصاره بالخيانة والارتباط بالخارج؟ ألن يخرجوا للدفاع عن “وطنهم” وحكومتهم ضد ما يسمونه “احتلالاً سعوديًا”؟!

هذه هي المفارقة التي نغفل عنها: إننا ندين قتلة الحسين عليه السلام، بينما نصنع بأنفسنا نفس البيئة الفكرية والنفسية التي قتلت الحسين عليه السلام!

قتلة الحسين عليه السلام كانوا يرفعون رايات الدولة والشرعية والوطن، واعتبروا خروج الحسين عليه السلام تهديدًا لأمن الدولة واستقرارها. وبعضهم ربما كان يرى في نفسه وطنيًا غيورًا!

اليوم نرى أشخاصًا يرفعون شعارات “الوطنية” ويرفضون أي موقف سياسي أو مقاوم له صلة بإيران أو لبنان أو اليمن أو فلسطين، ويعدّون ذلك “تدخلاً خارجيًا”، رغم أن هؤلاء المظلومين هم أنفسهم من أنصار مشروع الحسين عليه السلام والمقاومة لكن في تفكيرهم ومواقفهم ذاتهم أولئك الذين قاتلوه، بحجة حماية “الدولة” و”الوطن” من “الانقلاب السعودي”!

ما الفرق بين من قال في كربلاء: “قاتلوه دفاعًا عن الدولة الاموية”، وبين من يقول اليوم: “قاتلوا أنصار الحسين عليه السلام لأنهم يتبعون إيران أو لبنان”؟

إنها نفس الروح، نفس العقلية، نفس المنطق، ولكن بثياب عصرية.

عندما يظهر الإمام المهدي عجل الله فرجه، سيصطدم بعقليات لم تتغير، بعقول ترفضه لأنه لا يحمل “جنسيتهم”، أو لأنه لا يمثل “مصلحتهم الوطنية”، أو لأنه يهدد “سيادتهم”. سيقول له البعض: “ارجع من حيث أتيت، لا حاجة لنا بك، يا ابن فاطمة”، تمامًا كما قيل للحسين عليه السلام من قبل.

لم يظهر الإمام بعد، لأن الأرض لم تتهيأ له بعد، لأن الأمة لم تفهم بعد أن مشروع المهدي عجل الله فرجه ليس مشروع وطني و لا علاقة له بجغرافيا أو حدود، ولا بدولة أو طائفة، بل هو مشروع إلهي عالمي لتحرير الإنسان وإقامة العدل، ولا يمكن أن يتحقق حتى تنكسر هذه الأصنام الوطنية المزيفة في عقولنا.

نحن لا ننتظر الإمام، بل هو من ينتظرنا. ينتظر أن نكفّ عن عبادة الحدود والرايات التي صنعها المحتل، وأن نفهم معنى أن نكون أمّة واحدة، لا تفرقنا الجنسية، ولا تشتتنا الرايات المصطنعة.

حينها فقط، سيكون الظهور ممكنًا… وسيكون النصر حتميًا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى