عاشوراء الثورة الحسينية في كربلاء – انتصار الدم على السيف.

قراءة وتحليل.

بقلم _  طوفان الجنيد

المقدمة:
في البداية، نتقدَّم بخالص العزاء وعظيم الفخر والاعتزاز إلى سيدتنا ومولاتنا سيّدة نساء العالمين، بضعة المصطفى وروحه التي بين جنبيه، وإلى بقية أهل الكساء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ومن خلالهم إلى باقي السلسلة الذهبية من الأئمة المصطفين، وأعلام الهدى، سُفُن النجاة، ومصابيح الدجى، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرًا.
كما نخصّ بالعزاء سيدي ومولاي، قائد معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، سماحة القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)، وإلى جميع قادة محور المقاومة، ومن خلالهم إلى كافة أحرار الأمة الإسلامية، باستشهاد أبي الأحرار وسيد الشهداء، أبي عبد الله الحسين، رمز التضحية والفداء، ومنار الحق والحرية.
ماذا يعني “انتصار الدم على السيف”؟
إنّ هذه العبارة تُعدّ رؤية فلسفية عميقة تجسّدت في واقعة كربلاء (61 هـ)، حيث لخّصت المشهد العاشورائي والتضحيات العظيمة، من هزيمةٍ ظاهرية للإمام الحسين عليه السلام وأصحابه، إلى انتصارٍ تاريخيٍّ ودينيٍّ دائم.
هذا المفهوم – كما يوضّح الإمام الخميني قدّس سرّه – يعبّر عن تحوّل التضحية الجسدية إلى قوّة معنوية أطاحت بمشروع الطغيان الأموي، رغم انتصاره العسكري الميداني.
لقد اختصرت هذه المقولة جوهر الصراع بين قيم الحق، المتمثّلة في دم الحسين، وقيم الباطل، المتمثّلة في سيف يزيد.
كيف تحقق الانتصار الدموي؟
١- إفشال مشروع يزيد الجوهري:
أراد يزيد بن معاوية محو الإسلام من جذوره عبر القضاء على أهل البيت والصحابة، وتدمير قدسية مكة والمدينة.
لكن النتائج جاءت معاكسة تمامًا:
بقاء الإسلام وانتشاره عالميًّا حتى يعمّ كلّ البسيطة.
سقوط الدولة الأموية خلال ٧٠ عامًا فقط.
تحوّل شعار “يا لثارات الحسين” إلى رمز ثوري أسقط بني أمية.
٢- الدم حافظ للهويّة الإسلامية:
فسّر العلماء حديث النبيّ صلى الله عليه وآله: “حسين منّي وأنا من حسين” بأنّ “أنا من حسين” تعني بقاء الإسلام بدم الحسين.
فالتضحية الكبرى حمت جوهر الرسالة المحمدية من التحريف، وحفظت الاستمرارية والخلود عبر أربعة عشر قرنًا، بينما اندثر الذكر الأموي، وتهاوى الطغيان مهما تجدّد واعتلى وتجبر.
المفاهيم الأخروية للانتصار:
تحوّلت كربلاء إلى نموذجٍ للفوز الأخروي عبر أداء التكليف الإلهي، بالقيام بالمسؤولية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمتمثّل في رفض الإمام الحسين بيعة يزيد الفاسق، والخروج لقتاله دفاعًا عن الحقّ والملّة السمحاء.
الفوز بالشهادة:
وهي أعلى مراتب النصر عند الله، كما في كلمة الإمام علي عليه السلام عند استشهاده:
“فزتُ وربّ الكعبة.”
الميزان الإلهي:
فبينما نال الحسين عليه السلام المقام الرفيع، حاق بآل يزيد “سوء العذاب” كمصير آل فرعون، وفق الرؤية القرآنية:
﴿وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ﴾.
دور السيّدة زينب: المهندسة الحقيقية للانتصار:
كانت زينب عليها السلام الوقود الاستراتيجي للثورة، وقلبت المأساة إلى انتصار، ولولاها لما وصلت إلينا الأحداث.
قامت بالدور البطولي وتصدّت لكلّ أدوات الزيف والبهتان، ومن مواقفها الخالدة: خطبتها التاريخية في أهل الكوفة، حيث قالت:
“يا أهل الكوفة، يا أهل الغدر والختل… هل فيكم إلاّ الصلف والعجب والشنف والكذب؟!”
قدّمت تحليلاً نفسيًّا عميقًا لآفات المجتمع، والانفصام بين الظاهر الإيماني والباطن الأجوف، وضياع البصيرة، وعدم تمييز الحق، ونقض العهود، كما في قوله تعالى:
﴿كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا﴾.
تحويل الأسرى إلى قضيّة رأي عام:
استثمرت وضع السبايا، وفضحت جرائم بني أمية في عقر دارهم (الشام)، كما حوّلت مظاهر مأساتهم إلى أدلّة كافية لإدانة الطغاة.
وأثبتت أنّ دور المرأة المحوري والجهادي لا يتناقض مع العفّة والحجاب، وأنّها قادرة على حمل القيادة في أحلك الظروف.
في الختام:
إنّ حادثة كربلاء الطف قد تجاوزت الحدث الزمني، لتكون نموذجًا كونيًّا للمظلوميّة والثورة، وحوّلت المأساة إلى طاقة تحرّريّة:
“كلّ يومٍ عاشوراء، وكلّ أرضٍ كربلاء”.
وإنّ الانتصار المعنوي أعظم من الانتصار المادي، وأقوى من كلّ الترسانات العسكرية والمادية.
ففي المنظور الربّاني: الشهادة فوزٌ وفلاح، وخلودٌ أبدي، ونعيمٌ مقيم.
السلام على الحسين، وعلى عليّ بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، يا ليتنا كنّا معهم، فنفوزَ فوزًا عظيمًا.
وهيهاتَ منّا الذلّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى