(مِنَ الطُّفِّ إِلَى غَزَّةَ .. كُلُّ يَوْمٍ عَاشُورَاءُ)

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

بقلم _  عَبْدُ الْإِلَـٰهِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجُنَيْدِ

مَا كَانَ لِأُمَّةٍ أَنْ تَضِلَّ عَنِ الْهُدَى وَتَنْحَرِفَ عَنِ الْمَسَارِ بَعْدَ إِذْ هَدَاهَا اللهُ وَأَعَزَّهَا بِدِينِ الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ وَالنَّبِيِّ الْخَاتَمِ الْمُخْتَارِ، وَمِنْ بَعْدِهِ وَرَثَةُ الْكِتَابِ الْأَئِمَّةُ الْأَطْهَارُ، لَوْلَا أَنْ قَابَلَتِ الْحَقَّ وَالْيَقِينَ بِالْجُحُودِ وَالْإِنْكَارِ.
إِنَّهَا أُمَّةٌ انْقَلَبَتْ عَلَى أَعْقَابِهَا بِالْهَجْرِ لِقُرْآنِ رَبِّهَا وَتَعَالِيمِ نَبِيِّهَا، ووَلَّتْ لِأَعْلَامِهَا الْأَدْبَارَ.
فَلَمَّا كَانَ مِنْهَا مَا كَانَ، وَقَدْ سَبَقَ لَهَا الْبَيْعَةُ لِأَعْلَامِهَا وَالتَّسْلِيمُ وَالْإِقْرَارُ، أَظَلَّهَا السَّامِرِيُّ الْمَاكِرُ الْغَدَّارُ فَأَطَاعَتْهُ غَيْرَ آبِهَةٍ بِوَعْدِ اللهِ وَوَعِيدِهِ، وَالتَّحْذِيرِ لَهَا وَالْإِنْذَارِ مِنْ مَقْتِ اللهِ وَعَذَابِ النَّارِ.
فَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَّا أَنْ نَاصَبَتْ آلَ رَسُولِ اللهِ وَذُرِّيَّتَهُ الْأَخْيَارَ الْعَدَاءَ، فَأَشْهَرَتْ سُيُوفَ بَاطِلِهَا عَلَى أَبْنَاءِ رَسُولِ اللهِ وَعِتْرَتِهِ الْأَبْرَارِ، ثُمَّ أَقْدَمَتْ فِي طَفِّ كَرْبَلَاءَ عَلَى قَتْلِهِمْ وَالتَّنَكِيلِ بِهِمْ وَالسَّبْيِ لِبَنَاتِ رَسُولِ اللهِ بِالْعَمْدِ وَالْإِصْرَارِ.

فَارْتَكَبَتْ أَبْشَعَ وَأَقْبَحَ جَرِيمَةٍ بِحَقِّ الْإِنْسَانِيَّةِ لَمْ يَشْهَدْ مِثْلَهَا التَّارِيخُ عَلَى مَرِّ الْعُصُورِ وَالْأَزْمَانِ.
وَلَقَدْ شَارَكَ أَهْلُ الصَّمْتِ وَالْخِذْلَانِ فِي تِلْكَ الْجَرِيمَةِ بِصَمْتِهِمْ وَخِذْلَانِهِمْ وَتَخَلِّيهِمْ عَنْ نَصْرَةِ الْإِمَامِ الْحُسَيْنِ، الَّذِي مَا خَرَجَ إِلَّا مُصْلِحًا فِي أُمَّةِ جَدِّهِ رَسُولِ اللهِ، وَلِيَنْتَصِرَ لَهُمْ وَلِيُحَرِّرَهُمْ مِنْ بَاطِلِ الْمُبْطِلِينَ وَظُلْمِ الظَّالِمِينَ وَتَسَلُّطِ الطُّغَاةِ وَالْمُسْتَكْبِرِينَ، فَلَمْ يَنْصُرْهُ إِلَّا ثُلَّةٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَقَلِيلٌ مِنْ صَحْبِهِ الْأَخْيَارِ.
وَفِي يَوْمِ كَرْبَلَاءَ كَانَتْ مُصِيبَةُ الْأُمَّةِ الْكُبْرَى وَالْفَاجِعَةُ الْعُظْمَى، الَّتِي نَالَ فِيهَا الْإِمَامُ الْحُسَيْنُ وَخِيَرَةُ أَهْلِهِ وَصَحَابَتِهِ شَرَفَ الشَّهَادَةِ؛ أَشْرَفُ وَأَعْظَمُ وِسَامٍ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ رَبُّنَا الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الْعَزِيزُ الْقَهَّارُ.
وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ عَظَمَةِ وَحَجْمِ التَّضْحِيَاتِ وَالْمَظْلُومِيَّةِ، وَهَوْلِ الْمُصِيبَةِ، وَبَشَاعَةِ الْجَرِيمَةِ، إِلَّا أَنَّ الدَّمَ انْتَصَرَ عَلَى السَّيْفِ، فَأَرْسَى مَعَالِمَ الْحَقِّ وَالثَّبَاتَ عَلَيْهِ دُونَ تَرَاجُعٍ؛ والحُؤولَ دُونَ أَنْ يَتَمَكَّنَ الطُّغَاةُ مِنْ طَمْسِ مَعَالِمِ الدِّينِ الْأَصِيلِ وَاسْتِبْدَالِهِ بِدِينٍ مُزَيَّفٍ فِي وَاقِعِ الْأُمَّةِ.
وَكَذَلِكَ أَهْلَكَ اللهُ الظَّالِمِينَ، وَبَقِيَ الْإِمَامُ الْحُسَيْنُ حَيًّا خَالِدًا فِي النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ الطَّاهِرَةِ بِتَضْحِيَتِهِ فِي مَلْحَمَةِ الطُّفِّ مَدَى الدَّهْرِ، بِعِزَّةٍ وَفَخَارٍ.
نَاهِيكَ عَنْ أَنَّهُ رَسَمَ مَسَارًا وَاضِحًا وَجَلِيًّا لِلثَّائِرِينَ يَسْتَلْهِمُونَ مِنْهُ مُقَاوَمَةَ الظُّلْمِ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمُوَاجَهَةَ أَعْدَاءِ اللهِ وَالْكُفْرِ وَالْفَسَادِ وَالضَّلَالِ.

*وَها هِيَ غَزَّةُ الْيَوْمَ: كَرْبَلَاءُ الْعَصْرِ وَعَاشُورَاءُ زَمَانِنَا!*
بِبَشَاعَةِ الْجَرِيمَةِ وَقِلَّةِ النَّاصِرِ وَقُدْسِيَّةِ التَّضْحِيَاتِ،
وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى الْأُمَّةِ، وَتَمْحِيصٍ لِإِيمَانِ الْأَنْقِيَاءِ الشُّرَفَاءِ.

وَإِنْ يَسْتَفْرِدْ طَوَاغِيتُ الصِّهْيَوْنِيَّةِ الْيَوْمَ بِغَزَّةَ، فَقَدِ اسْتَفْرَدَ الطُّغَاةُ وَالْمُسْتَكْبِرُونَ الظَّالِمُونَ بِالْإِمَامِ الْحُسَيْنِ مِنْ قَبْلُ بِكَرْبَلَاءَ الطُّفِّ، وَالْأُمَّةُ مِنْ حَوْلِهَا تُحِيطُ بِهَا أَنْظِمَةٌ وَشُعُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَالْعَالَمُ كُلُّهُ يَسْمَعُ وَيَرَى.

بَيْدَ أَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَصَرُوا الْإِمَامَ الْحُسَيْنَ ــ وَهُمُ الْقِلَّةُ الْمُؤْمِنَةُ الصَّابِرَةُ ــ هَاهُمْ الْيَوْمَ يُنَاصِرُونَ غَزَّةَ وَيُقَدِّمُونَ لَهَا الدَّعْمَ وَالْإِسْنَادَ، وَلِسَانُ حَالِهِمْ هُوَ ذَاتُهُ لِسَانُ الْإِمَامِ الْحُسَيْنِ:
*«اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا يُرْضِيكَ فَخُذْ حَتَّى تَرْضَى»*.
وَهَيْهَاتَ لِمَنْ لَا يَعْرِفُ الْمَوْقِفَ مِنْ فَاجِعَةِ كَرْبَلَاءَ الطُّفِّ وَعَاشُورَاءَ الْحُسَيْنِ أَنْ يَعْرِفَ الْمَوْقِفَ الْيَوْمَ مِنْ كَرْبَلَاءَ غَزَّةَ وَعَاشُورَاءَ فِلَسْطِينَ!
إِنَّنَا حِينَما نُحْيِي ذِكْرَى وَفَاجِعَةَ وَمَظْلُومِيَّةَ كَرْبَلَاءَ وَعَاشُورَاءَ الْحُسَيْنِ، فَإِنَّمَا نَدْعُو أَنْفُسَنَا وَالْآخَرِينَ إِلَى التَّمَسُّكِ بِخَطِّ وَمَنْهَجِ الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الصَّحِيحِ الْخَالِي مِنَ الزَّيْفِ وَالتَّحْرِيفِ وَالتَّشْوِيهِ، وَالِاقْتِدَاءِ بِسِيرَةِ الْإِمَامِ الْحُسَيْنِ سِبْطِ رَسُولِ اللهِ وَسَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
أَوَلَيْسَ الْحُسَيْنُ ــ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ــ: *«مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ»*؟!

لَقَدْ تَعَلَّمْنَا مِنْ كَرْبَلَاءَ الْحُسَيْنِ ضَرُورَةَ تَغْيِيرِ الْبَاطِلِ لِقَوْلِهِ:
*«وَإِنِّي أَحَقُّ مَنْ غَيَّرَ»*.
وَفِي عَاشُورَاءَ الْحُسَيْنِ الْقَائِلِ: *«وَمِثْلِي لَا يُبَايِعُ»* تَعَلَّمْنَا اتِّخَاذَ الْمَوْقِفِ وَالثَّبَاتَ عَلَيْهِ.
وَأَنْ نَحْيَا كِرَامًا؛ فَذَلِكَ أَعْظَمُ دَرْسٍ تَعَلَّمْنَاهُ مِنَ الْحُسَيْنِ الْقَائِلِ:
*«وَاللهِ لَا أُعْطِيهِمْ بِيَدِي إِعْطَاءَ الذَّلِيلِ، وَلَا أُقِرُّ إِقْرَارَ الْعَبِيدِ»*.
وَفِي كَرْبَلَاءَ سَقَانَا الْإِمَامُ الْحُسَيْنُ فَارْتَوَيْنَا الْعِزَّ وَالْإِبَاءَ، لَمَّا رَفَعْنَا شِعَارَهُ: *«وَهَيْهَاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ»*.
وَعَلَى مَنْهَجِ وَطَرِيقِ وَخُطَى الْحُسَيْنِ نَمْضِي بِكُلِّ إِيمَانٍ وَتَسْلِيمٍ لِأَعْلَامِ الْهُدَى، وَشُمُوخٍ وَكِبْرِيَاءَ، وَلَا نُبَالِي بِمُؤَامَرَاتِ وَمَكَائِدِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَالطُّلَقَاءِ وَالْأَشْرَارِ وَحَتْمًا سَنُكْمِلُ الْمِشْواَرَ.
اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ، يَا عَزِيزُ يَا جَبَّارُ.

*وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللهُ أَكْبَرُ
الْمَوْتُ لِأَمْرِيكَا
الْمَوْتُ لِإِسْرَائِيلَ
اللَّعْنَةُ عَلَى الْيَهُودِ
النَّصْرُ لِلْإِسْلَامِ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى