‏دعوة للتأمل .. لماذا يجب أن يقرأ منتقدو عاشوراء التاريخ بتمعن، ولماذا غُيبت هذه الذكرى؟

بقلم _ مبارك حزام العسالي

لكل من يتساءل أو ينتقد الاحتفال بذكرى عاشوراء، أدعوكم بصدق إلى قراءة التاريخ بعمق ودون أحكام مسبقة. هذه المناسبة ليست مجرد حدث عابر، بل هي لحظة محورية حملت في طياتها دروسًا عظيمة تستحق التأمل والاحتفاء. عاشوراء تجسد ذروة التضحية والفداء في سبيل المبادئ الإنسانية والعدالة. إنها قصة وقوف الإمام الحسين بن علي، حفيد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، في وجه الظلم والطغيان، ورفضه الخنوع لأي سلطة جائرة تخالف قيم الإسلام الحقيقية. لم يكن الإمام الحسين يسعى لسلطة دنيوية، بل كان هدفه الأسمى هو إصلاح أمة جده وإعادة الحقوق إلى نصابها.
إن قراءة التاريخ جيدًا ستكشف لكم أن عاشوراء لم تكن مجرد معركة عسكرية، بل كانت ثورة فكرية وأخلاقية. إنها تجسيد حي لمقاومة الظلم، والدفاع عن الكرامة، والتمسك بالحق حتى آخر رمق. هذه القيم هي قيم إنسانية عالمية تتجاوز حدود الزمان والمكان والمذاهب. الاحتفال بعاشوراء ليس حزنًا على ماضٍ انتهى، بل هو تجديد للعهد مع هذه المبادئ السامية.
إنه استلهام لروح التضحية، وتعزيز لقيم العدل، ومقاومة للظلم في كل زمان ومكان. من يتعمق في فهم هذه الذكرى يدرك أنها مصدر إلهام لكل من يسعى إلى التغيير الإيجابي.
لماذا تم تهميش وتغييب هذه الذكرى العظيمة؟
إن تغييب ذكرى عاشوراء له أسباب متعددة ومعقدة تتداخل فيها العوامل السياسية، الاجتماعية، والفكرية، ومنها ما يلي:

1. الصراع السياسي وتثبيت السلطة:

منذ وقوع واقعة كربلاء، ارتبطت ذكرى عاشوراء بمقاومة الظلم ورفض الطغيان؛وهذا الارتباط جعلها مصدر قلق للسلطات التي تسعى لتثبيت حكمها، خاصة إذا كان حكمًا غير عادل.
إحياء هذه الذكرى يعني تذكير الناس بأهمية الثورة على الظلم، وهذا قد يُنظر إليه كتهديد للسلطة الحاكمة. لذا، عملت بعض الأنظمة عبر التاريخ على تشويه صورة هذه الذكرى، من خلال نشر روايات مغلوطة أو التركيز على جوانب معينة لتغييب الرسالة الأساسية للثورة؛كما قامت بقمع الاحتفالات أو التضييق عليها، أو الترويج لروايات بديلة تبرز مناسبات أخرى على حساب عاشوراء لتغييب الجانب الثوري والأخلاقي.

2. التفسيرات المذهبية المختلفة والجهل التاريخي:

تفسيرات عاشوراء تختلف بين المذاهب الإسلامية؛ بينما يرى البعض أنها ذكرى محورية لاستشهاد الإمام الحسين وثورته ضد الظلم، ويركزون على إحياء الشعائر المرتبطة بالحزن وتجديد البيعة لمبادئ الحسين، قد تركز مذاهب أخرى على جوانب مختلفة من يوم عاشوراء (مثل كونه اليوم الذي نجا فيه موسى عليه السلام)، أو تعتبر الشعائر الحسينية “بدعًا”.
هذا الاختلاف أدى في بعض الأحيان إلى الابتعاد عن إبراز الجانب الثوري، والتركيز على الجانب الصوماني لعاشوراء وتجاهل عمق الحدث التاريخي؛ يضاف إلى ذلك الجهل بالعمق التاريخي لواقعة عاشوراء، حيث يفتقر الكثيرون إلى فهم عميق لأبعادها الإنسانية، مما يجعلهم غير مدركين لأهميتها.
هذا الجهل قد يكون نتيجة نقص التعليم التاريخي أو التعتيم الإعلامي.

3. الصورة النمطية السلبية ومحاولات الإقصاء:

في بعض الأحيان، يتم ربط الاحتفالات بعاشوراء بممارسات خاطئة أو فردية لا تمثل جوهر الذكرى، مما يؤدي إلى تشويه صورتها وإبعاد الناس عنها.
هذا التشويه قد يكون مقصودًا من بعض الجهات لتنفير الناس من هذه الشعائر. كما أن تهميش عاشوراء قد يكون جزءًا من سياسة أوسع تستهدف إقصاء أو تهميش فئة معينة من المجتمع، والتقليل من شأن رموزها ومناسباتها الدينية والثقافية.

باختصار، تهميش عاشوراء ليس حدثًا عشوائيًا، بل هو غالبًا نتيجة لتراكم عوامل تاريخية وسياسية واجتماعية ومذهبية أدت إلى تغييب هذه الذكرى أو تشويهها في الوعي العام؛ فهم هذه الأسباب هو الخطوة الأولى نحو إعادة الاعتبار لهذه الذكرى وإبراز رسالتها الإنسانية الخالدة.

لذا، قبل إصدار أي حكم أو انتقاد، افتحوا كتب التاريخ والمصادر الموثوقة، وتأملوا في أحداث كربلاء وما سبقها وما تلاها. ستجدون أنفسكم أمام حقيقة عميقة تحمل في طياتها الكثير من العبر التي تفيد الإنسانية جمعاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى