الوسيلة إلى الله في ضوء عاشوراء
بقلم _ ضياء أبو معارج الدراجي
في أيام الحزن العاشورائي، حيث تقف القلوب بين الدموع والعبرات، نُعيد التأمل في مفهومٍ قرآني راسخ، لا يُفهم بالإدعاء ولا يُطبق بالعواطف فقط، بل هو منهجٌ إلهي سار عليه الأنبياء والأولياء، وارتضاه الله لعباده طريقًا للقرب والقبول. إنه مبدأ الوسيلة إلى الله.
قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾
[المائدة: 35]
والوسيلة، كما نصّ أهل البيت عليهم السلام، هي نحن أهل البيت، كما قال الإمام الصادق عليه السلام:
“نحن الوسيلة إلى الله، ونحن الصراط المستقيم.”
والتأريخ مليء بالشواهد الربانية التي تُثبت أن الله يُجري رحمته بوسائل من خلقه، لا لأن هذه الوسائل مستقلة بالفعل، بل لأنها أبواب أذن الله أن يُؤتى منها.
فـقميص يوسف عليه السلام، حين أُلقي على وجه يعقوب، ردّ له البصر، وكان وسيلة من نبي إلى نبي،
وعصا موسى عليه السلام كانت وسيلة لطمأنة قلبه وشق البحر،
وناقة صالح عليه السلام كانت آية لهداية قومه،
وصوت إبراهيم حين نادى الطيور المذبوحة، كانت وسيلة لبعث الحياة في ما ظنوه فناءً،
وكلمة عيسى بن مريم عليه السلام، كانت وسيلة بيد الله لإحياء الموتى، وشفاء الأكمه والأبرص.
فإذا كانت هذه الوسائل من مظاهر القدرة الإلهية، فكيف يُستنكر أن تكون محمد وآل محمد عليهم السلام وسيلة إلى الله، وهم صفوة الخلق، وأطهر أهل الأرض، وبهم بدأ الله خلقه، وبهم يختمه؟!
لقد قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله:
“أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق.”
فهم وسيلة النجاة، وسفن الهداية، وباب الله الذي لا يُغلق.
وفي عاشوراء، لا يكون الحسين عليه السلام وسيلة منفصلة، بل هو جزء من الوسيلة الكبرى التي هي محمد وآله. فبكاؤنا عليه، ونُصرتنا لقضيته، وتمسكنا بمدرسته، هو تمسكٌ بمنهج محمد وآل محمد، وسيرٌ على الصراط المستقيم.
نحن لا نقف عند دم الحسين عليه السلام بحدّه الزمني، بل نراه امتدادًا حيًّا لوسيلة الله الكبرى، ونقول:
يا رب، بحق محمد وآل محمد، وسيلتنا إليك، وبحق الحسين المذبوح من الوريد إلى الوريد، والرضيع المرمى على حر الرمضاء، والسبايا التي سارت بين السيوف… تقبّل دعاءنا، واقضِ حوائجنا، واشفِ مرضانا، وانصر المظلومين.
يا رب، كما جعلت في قميص نبيك شفاء، وفي عصا نبيك نجاة، وفي صوت خليلِك حياة، اجعل لنا في ولاية محمد وآل محمد نجاة في الدنيا والآخرة، ولا تُخرجنا من هذه الدنيا حتى تَرضى عنا بجاههم.
في عاشوراء، لا نُقدّس الحزن لذاته، ولا نعيش العاطفة بمعزل عن العقيدة، بل نُجدد العهد مع الوسيلة التي أمرنا الله بابتغائها، وهي محمد وآل محمد عليهم السلام، وعلى رأسهم الحسين عليه السلام، سيد شباب أهل الجنة، الذي قدّم دمه لأجل بقاء الدين، وصيانة الرسالة.
فسلامٌ على الوسيلة الكبرى،
سلامٌ على محمد وآل محمد،
وسلامٌ على الحسين،
وعلى علي بن الحسين،
وعلى أولاد الحسين،
وعلى أصحاب الحسين،
وسلامٌ على من جعلهم وسيلته إلى الله، ففاز فوزًا عظيمًا.
ضياء ابو معارج الدراجي