سلسلة مقالات غرب اسيا (اليمن) حلقة ٦٣

كنوز ميديا _ متابعة

اليمن… غرق “ماجيك سيز” وإعادة تعريف معادلات الردع البحري

 

❖ عملية نوعية تكشف عن مرحلة جديدة في الصراع الإقليمي

 

أعلنت القوات المسلحة اليمنية عن تنفيذ عملية بحرية معقدة في البحر الأحمر استهدفت سفينة الشحن “ماجيك سيز”، التي تعود ملكيتها لشركة متهمة بانتهاك قرار الحظر المفروض على دخول السفن إلى موانئ فلسطين المحتلة.

وقد أسفرت العملية عن غرق كامل للسفينة في أعماق البحر، بحسب ما أكده المتحدث العسكري العميد يحيى سريع، مشيرًا إلى أن الغرق تم توثيقه بالصوت والصورة.

هذه الضربة لا يمكن قراءتها كحادث منفصل، بل تمثل تحولًا استراتيجيًا نوعيًا في قواعد الاشتباك البحرية، إذ ترسل صنعاء من خلالها إشارات واضحة بأن التعاطي مع الكيان الصهيوني – حتى بشكل غير مباشر – يجعل الأهداف معرضة للاستهداف المشروع، مهما كانت جنسيتها أو وجهتها المعلنة.

 

❖ تصعيد عملياتي مدروس.. تكامل الوسائل ودقة التنفيذ

 

نفّذت العملية باستخدام زوارق مسيّرة، خمسة صواريخ باليستية ومجنّحة، وثلاث طائرات مسيّرة، ما يعكس مستوى عالٍ من التكامل بين القدرات البحرية والجوية.

هذا التعدد في الوسائط يشير إلى تطور عملياتي غير مسبوق لدى القوات اليمنية، وقدرتها على تنفيذ هجمات دقيقة ضد أهداف متحركة على مسافات بعيدة.وأكدت صنعاء أن طاقم السفينة سُمح له بمغادرتها بسلام، في خطوة تؤكد على الالتزام بالقواعد الإنسانية والتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، رغم تجاهل الشركة المالكة المتكرر للتحذيرات الصادرة عن القوات اليمنية.

 

❖ الأبعاد السياسية توسع دائرة الاستهداف

 

تُعدّ “ماجيك سيز” السفينة الثالثة التي تغرق بشكل كامل نتيجة هجمات بحرية يمنية، لكن ما يميز هذه العملية هو أن السفينة لم تكن متجهة نحو موانئ الاحتلال، بل كانت تابعة لشركة سبق لها إرسال ثلاث سفن إلى تلك الموانئ خلال الأسبوع الماضي.

هذا المعطى يوسّع من دائرة الردع اليمني، حيث تنتقل السياسة من استهداف السفن ذات العلم الإسرائيلي أو المملوكة لصهاينة، إلى استهداف السفن التابعة لكيانات تتعامل تجاريًا مع الكيان الصهيوني.

إن هذا التحول يعكس توسيعًا واعيًا لحدود مفهوم “العدو المشروع”، ويهدف إلى فرض حصار بحري غير مباشر على الاحتلال الإسرائيلي، عبر الضغط على شركات الشحن العالمية.

 

❖ الردع البحري اليمني.. من السواحل إلى الممرات الدولي

 

تقع نقطة استهداف السفينة على بعد نحو 51 ميلاً بحريًا جنوب غرب الحُديدة، أي في قلب واحد من أهم الممرات البحرية الدولية.

العملية تثبت أن اليمن لم يعد يكتفي بالدفاع عن مياهه الإقليمية، بل يمارس ردعًا نشطًا في عرض البحر الأحمر، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على مصالح التحالفات الدولية المعنية بأمن الممرات، وعلى رأسها إسرائيل وحلفاؤها في الخليج والغرب.

 

❖ التوثيق كجزء من الحرب النفسية والإعلامية

 

البيان العسكري أشار بوضوح إلى أن لحظة غرق السفينة موثّقة بالصوت والصورة، ما يعكس اهتمامًا متزايدًا بـالحرب النفسية والإعلامية المصاحبة للعمليات العسكرية.

هذا التوثيق لا يخدم فقط أغراض التأكيد والتوثيق، بل يساهم في تعزيز الردع الإعلامي وخلق صدمة مضاعفة لدى الخصم، خاصة في بيئة تجارية تعتمد على الثقة والضمانات.

 

❖ الانعكاسات الجيوسياسية.. رسائل متعددة الاتجاهات

 

ترسل هذه العملية رسائل استراتيجية في عدة اتجاهات:

• إلى تل أبيب: أن الشراكة الاقتصادية مع العالم الخارجي لم تعد تحصّن عمقها التجاري.

• إلى الشركات الدولية: أن الانخراط في التعامل مع الاحتلال لم يعد قرارًا بلا تبعات ميدانية.

• إلى الأنظمة العربية المُطبّعة: أن التطبيع سيجرّ تهديدًا مباشرًا لمصالحها البحرية.

• إلى واشنطن: أن الحصار السياسي والعسكري على اليمن لم يمنع الأخير من تطوير قدراته إلى مستوى الردع النوعي.

 

➢ ختاماً، غرق سفينة “ماجيك سيز” ليس حادثًا عابرًا في سجل المواجهة اليمنية–الصهيونية، بل هو فصل جديد في استراتيجيات الردع البحري في غرب آسيا.

إن الرسالة التي تبعثها صنعاء تتجاوز البعد العسكري، لتكرّس مكانتها كفاعل إقليمي يفرض معادلاته بشروطه، ويعيد تعريف الأمن البحري لا كمصلحة غربية، بل كأداة دعم لقضية الأمة المركزية فلسطين.

مركز بدر للدراسات الاستراتيجية

 

٢٠٢٥/٧/٨

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى