[ أين دُفِنَ الرأس الشريف ؟؟ ]
بقلم _ الشيخ حسن عطوان
🖋 من المُسَلَّم به أنَّ رأس الإمام الحسين ( عليه السلام ) قد حُمل الى الكوفة ومنها إلى الشام .
ولكن وقع الكلام في أنّه أين دُفِن ؟؟
🖊 وهنا أقوال :
⏺ الأول : وهو المشهور بين علمائنا بل كاد أنْ يكون إجماعاً .
أنَّ الرأس الشريف قد أُعيد الى كربلاء ، ودَفَنَهُ الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) مع الجسد الطاهر ( 1 ) .
◀ وأمّا كيفية عودة الرأس الشريف الى كربلاء :
فقد ذكر جملة من علمائنا أنّه بعد أنْ وجّه يزيد عائلة الإمام الحسين ورأسه مع الإمام زين العابدين الى المدينة ، فقد مرً الركب بكربلاء و أُلحق الرأس الشريف بالجسد الطاهر ( 2 ) .
◀ وتدل على ذلك بعض المرويات :
منها : ما رواه الشيخ الصدوق عن فاطمة بنت أمير المؤمنين :
( ثم إنَّ يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسين عليه السلام فحُبسْنَ مع علي بن الحسين عليهما السلام … الى أنْ خرج علي بن الحسين بالنسوة ، وردّ رأس الحسين الى كربلاء ) ( 3 ) .
🖋 وكما ترون فإنَّ هذه الرواية ليست عن المعصوم ، فضلاً عن كونها غير تامة السند .
وتوجد روايتان أخريتيان بنفس المضمون ، لكنّهما أيضاً غير تامتين سنداً .
وسُئل السيد المرتضى :
” هل ما روي من حمل رأس مولانا الشهيد أبي عبد الله عليه السلام إلى الشام صحيح ؟ وما الوجه فيه ؟
فأجاب : هذا أمر قد رواه جميع الرواة والمصنفين في يوم الطف وأطبقوا عليه .
وقد رووا أيضاً : أنَّ الرأس أُعيد بعد حمله إلى هناك ودفن مع الجسد بالطف ” ( 4 ) .
وقال السيد ابن طاووس :
” وأمّا رأس الحسين ( عليه السلام ) فروي أنّه أُعيد فدُفن بكربلاء مع جسده الشريف صلوات الله عليه ، وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه ” ( 5 ) .
⏺ الرأي الثاني : أنَّه دُفن عند مرقد أمير المؤمنين في النجف الأشرف .
قال الشيخ المجلسي :
” وقد وردت أخبار كثيرة في أنّه مدفون عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام ” ( 6 ) .
لعله في مسجد الرأس ، الذي سُمّي بهذا الاسم لمقابلته موضع رأس أمير المؤمنين ، أو لأنَّ رأس الإمام الحسين مدفون فيه .
ولعل كلام صاحب البحار ناظر الى بعض الروايات في زيارة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
منها : عن أبان بن تغلب ، قال :
( كنت مع أبي عبد الله عليه السلام فمر بظهر الكوفة فنزل فصلى ركعتين ثم تقدم قليلاً فصلى ركعتين ثم سار قليلاً فنزل فصلى ركعتين ، ثم قال : هذا موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، فقلت : جعلت فداك والموضعين اللذين صليت فيهما ؟
فقال : موضع رأس الحسين عليه السلام وموضع منزل القائم عليه السلام ) ( 7 )
🖋 ويمكن أنْ يُناقش الإستدلال بهذه الرواية :
بقصور دلالتها ؛ ذلك لأنًها أفادت أنَّ الإمام الصادق ( عليه السلام ) نزل فصلى ركعتين في موضع ثم تقدم قليلاً فصلى ركعتين ثم سار قليلاً فنزل فصلى ، والموضع الأخير هو مرقد أمير المؤمنين ، اما الموضعان السابقان فهما قبل مرقد أمير المؤمنين بمسافة تقتضي السير مشياً أو على دابة ، وليس مجرد تَقدُّم ؛ لأنَّ الرواية عبرت : ( ثم سار قليلاً فنزل ) .
هذا فضلاً عن الخدشة في سندها .
وبالتالي هي لا تصلح دليلاً للقول الثاني .
نعم ، هذه الرواية يمكن أنْ تصلح مؤيداً للاستدلال على أنَّ موضع دفن الرأس الشريف في مسجد الحنانة .
ومن الروايات التي أُستدل بها لهذا القول ، أعني : أنَّه دُفن عند مرقد أمير المؤمنين :
ما عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال :
( إنك إذا أتيت الغري ( 8 ) رأيت قبرين : قبراً كبيراً وقبراً صغيراً ، فأمّا الكبير فقبر أمير المؤمنين عليه السلام وأمّا الصغير فرأس الحسين عليه السلام ) ( 9 ) .
ومنها : عن سيف بن عميرة قال :
( خرجت مع صفوان بن مهران الجمال إلى الغري [ في المصدر : وجماعة من أصحابنا إلى الغري بعدما ورد أبو عبد الله عليه السلام ] ، فزرنا أمير المؤمنين عليه السلام فلما فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد الله عليه السلام وقال : نزور الحسين بن علي [ في المصدر زيادة : من المكان هذا ] من عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام .
قال صفوان : وزرت مع سيدي أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وفعل مثل هذا وذكر الحديث ) ( 10 ) .
ثم إنَّ صاحب الوسائل قال : ” هذا يحتمل قصد الزيارة من بعد ، ويحتمل إرادة زيارة رأس الحسين عليه السلام ” .
🖋 وتوجد روايات أخرى تدل على هذا القول ، لكنها جميعاً غير تامة السند .
ويُنْقَل : أنَّ السيد الخميني ( رحمه الله ) لم يكن يمر من أمام رأس أمير المؤمنين أبداً خلال حضوره في النجف الأشرف طيلة ( 14 ) سنة ؛ لإحتمال وجود رأس الإمام الحسين في هذا الموضع ، إحتراماً له ( 11 ) .
يقول الشيخ محمد حرز الدين :
” انّ السيد داود الرفيعي روى … عن أبيه عن آبائه : انَّ في المسجد المذكور إيواناً صغيراً مربعاً في الجدار القبلي بين محراب المسجد والساباط ، فيه قبر ، وعليه شباك من فولاذ ثمين ، وله باب صغير فيه قفل : هو موضع قبر رأس الحسين …
كما دلت عليه الروايات ” ( 12 ) .
⏺ الرأي الثالث : أنّه دُفن في البقيع في المدينة المنورة .
نقل صاحب بحار الأنوار :
أنَّ يزيداً بعث ” برأس الحسين ( عليه السلام ) إلى عمرو بن سعيد بن العاص وهو إذ ذاك عامله على المدينة ، فقال عمرو : وددت أنّه لم يبعث به إليّ ، ثم أمر عمرو به فدفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة عليها السلام ” ( 13 ) .
⏺ الرأي الرابع : إنَّ الرأس الشريف قد دُفن في الشام .
وأختلف أصحاب هذا الرأي في موضع دفنه هناك ، بين قائل :
إنّه دُفن في دار الإمارة .
أو في قصر الخضراء .
أو قرب باب توما .
أو في مسجد الرقّة ، في المدينة المعروفة على نهر الفرات .
وأشهرها : أنّه دُفن في باب الفراديس بدمشق ( 14 ) .
كتب ابن كثير : ” واختلفوا بعد ذلك في المكان الذي دُفِن فيه الرأس …
وذكر ابن أبي الدنيا … أنَّ الرأس لم يزل في خزانة يزيد بن معاوية حتى توفي فأُخِذ من خزانته فكُفَّن ودُفِن داخل باب الفراديس من مدينة دمشق .
قلت : ويُعْرَف مكانه بمسجد الرأس اليوم داخل باب الفراديس الثاني ( 15 ) .
⏺ الرأي الخامس : أنَّ الرأس الشريف نُقِل الى مصر ودُفِن هناك .
ذكر ابن كثير : ” وادّعتْ الطائفة المسمون بالفاطميين الذين ملكوا الديار المصرية قبل سنة أربعمائة إلى ما بعد سنة ستين وستمائة ، إنَّ رأس الحسين وصل إلى الديار المصرية ودفنوه بها وبنوا عليه المشهد المشهور به بمصر …
الى أنْ قال : وقد نصّ غير واحد من أئمة أهل العلم على أنّه لا أصل لذلك ” ( 16 ) .
ونُقِل عن كتاب الخطط للمقريزي بعد كلامٍ عن مشهد الحسين ، أنّه قال ما نصه :
” وكان حمل الراس الشريف إلى القاهرة من عسقلان ( 17 ) ، ووصوله إليها في يوم الأحد ثامن من جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة …
ويُذّكَر أنَّ الرأس الشريف لما أُخرج من المشهد بعسقلان وُجد دمه لم يـجف ، وله ريح كريح المسك ” ( 18 ) .
🖋 وقفة عند نقاط تحتاج الى تأمل :
1️⃣ إنَّ الروايات التي بين أيدينا عن موضع دفن الرأس الشريف ، على نحوين :
الأول : ما دلَّ على القول الأول ، وهو إلحاق الرأس الشريف بالجسد الطاهر ، وهي روايات ليست مسندة عن المعصوم ، فضلاً عن كونها غير نقية السند .
النحو الثاني : مادلَّ على القول الثاني ، وهو أنَّ الرأس الشريف قد دفن عند مرقد أمير المؤمنين في النجف الأشرف ، وهي وإنْ كانت أكثر من روايات النحو الأول ، وفيها ما هو مسند عن المعصوم ، لكن أسانيدها جميعاً لا تخلو من خدش ايضاً ، فلا يعَوّل عليها للإنتصار للقول الثاني ، نعم تصلح كمؤيد .
على أنّه يمكن حمل بعض هذه الروايات على أنّها تشير الى موضعٍ وُضع عنده الرأس لا أنّه دُفن فيه .
2️⃣ إنّ الرأي المشهور القائل أنّ الرأس الشريف قد أُعيد الى كربلاء ودُفن مع الجسد الطاهر لم يستند القائلون به بحسب الظاهر الى دليل معتبر .
وهو مبني على ثبوت مرور عيال الإمام الحسين بكربلاء وهم في طريقهم إلى المدينة المنورة ، وهذه القضية هي الأخرى موضع خلاف .
أو يقال : إنَّ شخصاً ما تكفل بإلحاقه بالجسد الطاهر ؛ ولم يطرح القائلون به مستنداً لذلك ولا مُبَرِّراً .
بل يمكن القول : إنَّ حمل العيال للرأس الشريف وإرجاعه الى كربلاء ودفنه مع الجسد الطاهر بلا موجب ، حيث لا يجب شرعاً إلحاق الأعضاء بالجسد ، بل الراجح دفْنه في أقرب موضع يليق به .
ولكن يمكن أنْ يقال : بأنّ هذا الجزم من قبل علمائنا لاسيّما المتقدمين منهم على كون الرأس الشريف قد أُلحق بالجسد الطاهر ، لعله لأجل أنّهم قد تلقوا ذلك عن أصحاب الأئمة جيلاً بعد جيل ؛ لذلك أهملوا الروايات التي أفادت أنّه قد دُفن عند مرقد أمير المؤمنين .
ولكن يجاب عن ذلك : بأنَّ بعض المتقدمين كالسيد المرتضى قد صرح بأنّّ مستندهم الروايات وليس إرتكازاً قد تلقوه عن المعصوم .
والروايات قد وصلتنا أو وصلنا بعضها وحالها كما عرفت آنفاً .
3️⃣ إنّ كلمات علماء الإمامية تدور مدار الرأيين الأوليين ، ولا أحد منهم ذهب الى أيٍّ من الأراء الأخرى .
4️⃣ إنّ قصة أخذ الرأس الشريف من عسقلان من قبل الفاطميين – وهم شيعة إسماعيليون ، حكموا مصر – ؛ للتبرك والإحتفاء به ، ووضعه في مكان يليق به ، وبناء مسجد عليه ، هذه القصة مفصّلة ، وهي محتملة الصدق ، فنحتاج الى إعادة النظر لدراستها من قبل علماء مختصين .
5️⃣ بالنظر الى بعض الروايات والشواهد التاريخية فأنَّه يوجد موضع لرأس الحسين في مرقد أمير المؤمنين لطالما كان محل إهتمام أئمة أهل البيت وأصحابهم ، وتبعهم في ذلك بعضٌ من اعاظم علمائنا .
🖋 أثناء في الخلاف في موضع دفن الرأس الشريف ، تجد بوضوح أنّ البلدان كلها تتطاول وتتمنى وتدافع عن كونها موضعاً يتشرف برأس الحسين .
والبلدان كلها ، والشعوب جميعاً تتبرأ من أية صلة بيزيد ، عدا بعض مرضى القلوب .
ختاماً :
أينما دُفن الرأس الشريف فهو في القلوب والضمائر ، وكما نقل سبط ابن الجوزي عن بعض مشايخه :
لاتطلبوا المولى حُسَين
بأرضِ شرْقٍ او بغَرْب ..
ودعوا الجميعَ وعرّجوا
نحوي فَمَشْهدُهُ بقلبي ..
******
( 1 ) يلاحظ : المجلسي ، الشيخ محمد باقر ، ( ت : 1111 هج ) ، بحار الأنوار ، ج 45 ، ص 145 ، الناشر : مؤسسة الوفاء ، بيروت .
( 2 ) الأميني ، الشيخ محمد أمين ( معاصر ) ، مع الركب الحسيني ، الناشر : سپهر انديشة ، ج 6 ، ص 321 .
( 3 ) الصدوق ، الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، ( ت : 381 هج ) ، الأمالي ، ص 231 – 232 ، المجلس ( 31 ) ، ح 243 ، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة .
( 4 ) المرتضى ، السيد علي بن الحسين بن موسى ، ( ت : 436 هج ) ، رسائل السيد المرتضى ، ج 3 ، ص 130 ، الناشر : دار القرآن الكريم ، قم .
( 5 ) ابن طاووس ، السيد علي بن موسى بن جعفر ، ( ت : 664 هج ) ، اللهوف في قتلى الطفوف ، ص 114 ، الناشر : أنوار الهدى ، قم .
( 6 ) بحار الأنوار ، مصدر سابق ، ج 45 ، ص 145 .
( 7 ) الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن ، ( ت : 1104 هج ) ، وسائل الشيعة ، ج 14 ، ص 400 _ 401 ، الباب ( 32 ) ، باب إستحباب زيارة رأس الإمام الحسين عند قبر أمير المؤمنين ، ح ( 4 ) ، الناشر : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم .
( 8 ) الغري : من التسميات المتداولة الشائعة التي عُرِفتْ بها مدينة النجف .
والمراد منها بقعة النجف .
وفي اللغة الغري معناه الحسن من كل شيء .
( 9 ) وسائل الشيعة ، مصدر سابق ، ج 14 ، ص 402 ، ح 7 .
( 10 ) وسائل الشيعة ، مصدر سابق ، ج 14 ، ص 401 ، ح 5 .
( 11 ) مع الركب الحسيني ، مصدر سابق ، ج 6 ، ص 328 – 329 .
( 12 ) حرز الدين ، الشيخ محمد ، ( ت : 1365 هج ) ، تاريخ النجف الاشرف ، ج 3 ، ص 242 – 243 ، في ترجمة الميرزا هادي الخراساني ، ( ت : 1285 هج ) ، الذي عرف عنه ولعه بالآثار .
( 13 ) بحار الأنوار ، مصدر سابق ، ج 45 ، ص 145 .
( 14 ) باب الفراديس من أبواب دمشق القديمة في الجهة الشمالية للسور ، نُسِب إلى محلّة الفراديس خارجه ، وسُمّي باسم باب الفراديس لكثرة وكثافة البساتين المقابلة له قديماً .
( 15 ) ابن كثير ، البداية والنهاية ، مصدر سابق ، ج 8 ، ص 222 .
( 16 ) المصدر نفسه .
( 17 ) عسقلان : من أكبر وأقدم مدن فلسطين المحتلة الآن .
( 18 ) مع الركب الحسيني ، مصدر سابق ، ج 6 ، ص 337 .
*************
عظَّم الله أجوركم .
[ حسن عطوان ]https://t.me/+dfbSHH50x3c1MjE6