مثلث التنافس استراتيجيات الدول الكبرى ومصالحها
بقلم _قاسم الغراوي
رئيس مركز انكيدو للدراسات
في ظل تشابك الأزمات والحروب والتحديات في منطقة الشرق الأوسط، تتنافس الولايات المتحدة وروسيا والصين على النفوذ بآليات واستراتيجيات مختلفة، يمكن إجمالها كما يلي:
1. الاستراتيجية الأمريكية: “التسلسل الاستراتيجي” وإعادة التمركز
ا- التسلسل الاستراتيجي (Strategic Sequencing):
تدعو مراكز أبحاث أمريكية إلى تبني نهج يتيح للولايات المتحدة معالجة الأزمات تباعًا، بدءًا بتثبيت وقف إطلاق النار أو الحلول الدبلوماسية المدعومة بالقوة في الشرق الأوسط، ثم توجيه الجهد الدبلوماسي والعسكري تجاه التحديات في أوروبا (محور موسكو)، وأخيرًا إعادة تركيز الانتباه على المحيط الهادئ لاحتواء الصين. يُنظر إلى هذه الخطة كوسيلة لتجنب التورط العسكري المفرط وضمان توزيع الموارد بفعالية أكبر .
ب- الردع المباشر والإشارات الحاسمة:
استخدمت الولايات المتحدة ضربات استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية والأسلحة الدقيقة في سياق الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية، من أجل توجيه رسالة ردع إلى طهران وأيضًا إلى خصوم آخرين ككوريا الشمالية والصين، مفادها استعداد واشنطن لاستخدام القوة بشكل غير متوقع إذا لزم الأمر .
ج- تعزيز الشراكات الإقليمية:
مع تراجع الثقة ببعض التحالفات التقليدية، تعمل واشنطن على تنويع شركائها (دول الخليج، إسرائيل، مصر) من خلال تدريبات عسكرية مشتركة، وبيع منظومات دفاعية–صاروخية متطورة، وضمان أمن الملاحة في مضيق هرمز وباب المندب.
2. الاستراتيجية الروسية:
ا- التمركز متعدد الأوجه ومناورة “الوسيط”
ب- التحالفات متعددة الأقطاب: تسعى روسيا إلى تقديم نفسها كلاعبٍ “موثوق ومحايد” مقارنة بالغرب، عبر تقوية العلاقات مع طهران وأنقرة والرياض والقاهرة والإمارات، مستغلة انخراطها في هيئات متعددة الأطراف كـBRICS وSCO لمنح شركائها غطاء سياسي بديل .
ج- الإسكات العسكري والاقتصادي بالتناغم: تحتفظ موسكو بقاعدة بحرية في طرطوس وقاعدة جوية في حميميم بسوريا، وأنشأت قاعدة بحرية على بحر قزوين في قازانويسك، كما توسع صادرات السلاح وتستخدم النزاع الأوكراني “حقل تجارب” لعرض منظوماتها المتقدمة على السوق الشرق أوسطية .
د- بوابة الطوق الاقتصادي: بالعمل مع شركاء نفطيين من الخليج، وحشد دعم لإدخال دول عربية في مؤسسات شيدتها روسيا والصين، تصبّ موسكو في اتجاه إضعاف الهيمنة الغربية على البنية المالية الدولية، مع الحفاظ على قدرة المناورة عبر علاقات متوازنة حتى مع إسرائيل وغيرها.
3. الاستراتيجية الصينية:
القوة الناعمة والتنمية الاقتصادية
ا- طاقات البنية التحتية والطاقة:
تنفذ بكين مشروعات ضخمة ضمن “الحزام والطريق” في موانئ الإمارات والسعودية ومصر، وتستخدم إيران حلقة وصل لطرق برية بديلة عبر مضايق حساسة، ما يعزز أمن إمداداتها من الطاقة ويخفف الاعتماد على طرق بحرية تقطعها الولايات المتحدة .
ب- الشراكة الشاملة مع إيران ودول الخليج:
أبرمت بكين مع طهران اتفاقية استراتيجية تمتد 25 عامًا للاستثمار في البنى التحتية مقابل نفط مخفض، وفي الوقت نفسه توسع تعاونها الدفاعي مع السعودية والإمارات (تمارين بحرية مشتركة واتفاقات أمنية) دون الانحياز الصريح لأي طرف .
ج- الحياد البراغماتي والمحافل الدولية: تتجنب الصين الانخراط العسكري المباشر، وتعتمد على القنوات الدبلوماسية والمنتديات متعددة الأطراف (قمة الصين والدول العربية، منتدى بطرسبورغ الاقتصادي)، لتسويق نموذج “التنمية بلا تدخل سياسي”، وهو نموذج يستقطب حكومات الشرق الأوسط الساعية لتنويع شراكاتها.
اما المحصلة والتفاعلات المستقبلية
سيبقى التنافس الثلاثي في المنطقة محكومًا بمدى قدرة كل قوة على تسويق نموذجها:
فأمريكا تُقدم نفسها حامية للنظام الدولي القائم والضامن لأمن الملاحة والطاقة.
وروسيا تُسوق نفسها شريكًا يملك أدوات عسكرية وسياسية وميدانية لحل الأزمات.
واما الصين ترهن نفوذها بقوة الاقتصاد وتمويل المشاريع، متجنبة الانخراط العسكري المباشر.
هذا “مثلث التنافس” سيشهد ضغوطًا متبادلة وتنسيقات أحيانًا (كالشراكة الروسية ـ الصينية) وإفراطات أحيانًا أخرى (كالتصعيد الأمريكي ـ الإيراني)، ونجاح كل طرف سيكون رهينًا بمدى تقديمه حلولًا عملية لمخاوف دول المنطقة من الأمن والازدهار دون إثقال كاهلها بديون أو صراعات مستمرة .
https://t.me/+dshAlnqux-llYjUy