التداخلات الخارجية والانقسامات الداخلية وتأثيرها على سيادة سوريا في ظل التطورات الأخيرة
بقلم _ فتحي الذاري
17 يوليو 2025م
تمر سوريا اليوم بأزمة مركبة تتداخل فيها العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، مما أدى إلى تآكل حقيقي في قدرتها على الحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها. تتفاقم التحديات نتيجة وجود أطراف داخلية تتعامل مع قوى خارجية، وأطراف خارجية تسعى لتثبيت نفوذها على حساب الدولة الوطنية، مع استمرار الأعمال العدائية والاعتداءات التي تستهدف مناطق متعددة مثل السويداء.
منذ سنوات، شهدت سوريا انقسامات داخلية، تم استثمارها من قبل أطراف إقليمية ودولية، بهدف توسيع النفوذ أو تحقيق مصالح جيوسياسية، أحيانًا على حساب السيادة الوطنية. في هذا السياق، ظهرت جماعات مسلحة وواجهات سياسية تختلف في ولائها، منها من يتلقى دعمًا من جهات مثل تركيا وكيان الاحتلال الإسرائيلي أو حتى من جهات غير معلنة، بهدف استراتيجيات معينة تهدف إلى تقسيم سوريا أو إضعافها.
المعروف عن محافظة السويداء أنها كانت حتى وقت قريب منطقة ذات استقرار نسبياً، لكن التطورات الأخيرة أظهرت تصاعد الأعمال العدائية والهجمات المتكررة، مما يؤكد حالة من عدم الاستقرار، ويهدد أمن المواطنين، ويؤكد فقدان السيطرة شبه التامة من قبل الحكومة المركزية على بعض المناطق. هذا الواقع يثير تساؤلات حول مدى قدرة الدولة على حماية أراضيها، ويدفع بأطراف متعددة للاستثمار في زعزعة الأمن والاستقرار لغايات جيوسياسية.
من المؤشرات الخطيرة أن تستمر حالات التنازع والانفلات، وأن يتم استغلال الحالة الثورية أو الاحتجاجية لتمرير مصالح خارجية، أو لتبرير التدخل المباشر أو غير المباشر في الشؤون الداخلية السورية. الأوضاع الحالية تؤكد نوعًا من “انتحار وطني” من خلال تفكيك هياكل الدولة، وتآكل مفهوم السيادة، وإضعاف مؤسسات الدولة، ما يفتح المجال أمام محاولات فرض الأمر الواقع عبر فرض سياسات تشتيت وتفتيت المجتمع.
الحكومات أو الكيانات التي تُدعى بأنها تتحدث باسم المناطق أو الجماعات المعارضة، مثل حكومة الجولاني في إدلب، أو بعض الجماعات التي تتعامل مع جهات الاحتلال الإسرائيلي، تمثل جزءًا من ظاهرة الاستجداء وابتزاز السيادة الوطنية أحيانًا، أو محاولة فرض حقائق على الأرض تخدم أجندات خارجية. هذه الأطراف، رغم ادعائها تمثيل مصالح السكان، غالبًا ما تكون أدوات في يد قوى دولية أو إقليمية لتحقيق مآربها، وتقديم التنازلات التي قد تتعارض مع مصلحة سوريا كدولة موحدة.
تتعدد أشكال العدوان على سوريا، عبر ضربات جوية، هجمات إرهابية، أو محاولة فرض السيطرة على مناطق استراتيجية، وهو ما يُضعف قدرة الدولة على استعادة سيطرتها على كامل أراضيها. إن استمرار هذه السياسات يهدد بواقعة ضياع السيادة بالكامل، وإشاعة حالة من الفوضى، بما يهدد مستقبل الجغرافيا السورية ووحدة شعبها.
لا يمكن إغفال أن الحالة السورية الراهنة تتطلب وعيًا واستراتيجيات متجددة، تعتمد على الوحدة الوطنية، وعدم الانجرار وراء مشاريع تقسيم وصراعات لا تخدم إلا مصالح القوى الخارجية على حساب الشعب السوري. إن استمرار الثورات في ظل غياب الحلول الجذرية، وتكرار مشاهد الانتحار الجماعي الوطني، يحذر من ضرورة التلاحم وإعادة بناء الدولة وفق مصلحة الشعب والأ رض
الطريق أمام سوريا طويل ومعقد، ولكنه مؤمن بالمقاومة والتصميم على استعادة السيادة ووحدة الأرض. الأمل يبقى في وعي الشعب، ووحدة مواقفه، ورفض أي شكل من أشكال التبعية أو التفريط بمقدرات الوطن.،