نظام البعث في العراق: النموذج (الوطني الناجح) للحكم السني

بقلم _ د. علي المؤمن

 

حلول الذكرى السابعة والخمسين لانقلاب حزب البعث في العراق، وإعادة تدوير النظام الطائفي العنصري السني، مناسبة مهمة لاستذكار معايير (نجاح) و(رشادة) و(عدالة) و(أخلاق) و(وطنية) الأنظمة السنية التي حكمت العراق منذ العهد العثماني، ثم الملكي، ثم الجمهوري، وصولاً إلى دولة صدام حسين؛ وهي المعايير الموروثة التي يتبجح بها أصحاب الخطاب الطائفي السني، ويعدّون من لا يستند إليها في حكمه؛ فاشلاً ولا يصلح للحكم.

 

هذه المعايير الموروثة تقوم على ارتكاب كل أشكال الجريمة والموبقات، واستحلال المحرّمات، والخيانة والغدر حتى بأقرب المقرّبين، ومصادرة جميع الحقوق والحريات، وتحويل الناس إلى عبيد وحطب للحروب، وجعل البلاد سجناً كبيراً، مقروناً بأبشع مظاهر التجهيل، والفقر، والفسق، والفجور، والفساد، والسرقة، والنهب، وبيع الوطن والدين والشرف والعِرض من أجل السلطة. هذه المعايير هي التي تجعل الحاكم (ناجحاً) و(مهاباً) و(وطنياً)، وقادراً على فرض سلطته والبقاء فيها، كما يعتقد الطائفيون العنصريون.

 

وقد كان نظام البعث العراقي نموذجاً متفرّداً تقريباً في التمسك الصارم بهذه المعايير الموروثة، مقارنة بكل أنظمة العالم، بل حتى الأنظمة السنية العراقية وغير العراقية، خاصة وأنه يحكم بلداً ذا أكثرية طائفية مختلفة عن الأقلية الطائفة التي ينتمي إليها ويحكم بها.

 

ولفهم هذا التفرّد، نعرض قائمة سريعة بأهم منجزات (النجاح) و(الهيبة) و(العدالة) و(الوطنية) لنظام البعث خلال خمسٍ وثلاثين سنة من سنوات حكمه:

 

1. جرائم القتل والإعدامات والمقابر الجماعية:

 

أ‌- قتل نظام البعث وصدام خمسة مراجع دين شيعة، و(32) مجتهداً و(870) عالم دين شيعي.

ب‌- قتل أكثر من (40) رجل دين سني.

ت‌- قتل ما يقرب من (160) ألف رجل وامرأة وصبي وطفل من الشيعة.

ث‌- قتل ما يقرب من (20) ألف رجل وامرأة وصبي وطفل من الأكراد.

ج‌- قتل ما يقرب من (2000) رجل من السنة.

ح‌- دفن كثيراً من ضحاياه الشيعة في مقابر جماعية، منها (420) مقبرة مكتشفة.

 

2. جرائم الاعتقال والسجن:

 

بلغ عدد من تعرضوا للاعتقال والسجن لمدد مختلفة أكثر من ثلاثة ملايين شخص، وذلك لمجرد الاشتباه بمعارضة نظام البعث أو انتقاده أو احتمال أن يتحول إلى معارض في المستقبل.

 

3. جرائم التعذيب والتنكيل:

 

أ‌- لم يثبت دولياً لدى منظمات حقوق الإنسان والعفو وجود تعذيب نفسي وجسدي في أي بلد في العالم يشبه ما كان يحدث في معتقلات نظام البعث وصدام.

ب‌- تعرضت مئات النساء الشيعيات والكرديات المعتقلات للاغتصاب، بما في ذلك الاغتصاب أمام أعين ذويهن، لحملهن على الاعتراف أو حمل ذويهن على الاعتراف.

ت‌- تعرض مئات الأطفال للخنق وتهشيم الجمجمة أمام آبائهم وأمهاتهم لحملهم على الاعتراف.

 

4. جرائم الملاحقة وإسقاط الجنسية والتهجير القسري إلى خارج العراق:

 

أ‌- تسبب نظام البعث وصدام في هجرة أكثر من مليوني عراقي إلى الخارج بسبب ملاحقة من يُشتبه بمعارضته، أو للتخلص من مطاحن الحروب، أو بسبب الفقر والمرض وانعدام الخدمات. مع الإشارة إلى أن عدد سكان العراق آنذاك كان يقارب نصف عددهم الحالي.

ب‌- تهجير ما يقرب من (300) ألف مواطن عراقي شيعي إلى إيران بحجة التبعية، وهم يمتلكون الوثائق العراقية كافة، بعد إسقاط الجنسية العراقية عنهم، ومصادرة أموالهم، ونقلهم إلى الحدود دون أي إنذار مسبق.

ت‌- إسقاط الجنسية عن مئات العراقيين ممن يُشتبه بمعارضتهم للنظام، بينهم شخصيات شهيرة.

 

5. جرائم التهجير داخل العراق:

 

أ‌- جرائم تهجير الأكراد.

ب‌- جرائم تهجير التركمان.

ت‌- جرائم تهجير الفيليين.

 

6. جرائم محاربة الدين والمرجعية والحوزة:

 

أ‌- محاربة الشعائر الدينية ومنعها، وخاصة ذكرى وفيات وولادات أئمة أهل البيت، وفي المقدمة مراسيم استشهاد الإمام الحسين، ومن بينها مهاجمة مسيرة الأربعين بالدبابات والطيران، واعتقال الخطباء وقتلهم.

ب‌- محاربة المرجعية الدينية والحوزة العلمية والتنكيل بها ومنعها من ممارسة دورها الديني والتوجيهي، وصولاً إلى قتل المراجع وعلماء الدين وسجنهم ونفيهم وفرض الإقامة الجبرية عليهم، حتى انخفض عدد منتسبي حوزة النجف في عام 1990 إلى 5% من عددهم في عام 1968.

ت‌- تخريب المدارس الدينية الحوزوية أو إغلاقها.

ث‌- منع طباعة وتوزيع واستيراد الكتب الدينية الشيعية، بما فيها كتب الأدعية.

 

7. جرائم التمييز الطائفي والعنصري:

 

أ‌- كان نظام البعث وصدام يمارس أبشع أنواع التهميش والإقصاء والقمع والظلم ضد الأغلبية السكانية الشيعية، وبصورة لا مثيل لها عالميًا؛ فالسنة العرب، ونسبتهم من عدد السكان 16% فقط، كانوا يسيطرون على 90% من المسؤوليات العليا، كرئاسة الجمهورية ومجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية للحزب والوزارات وقيادات الجيش والقوات المسلحة. أما الشيعة الذين تشكل نسبتهم السكانية 65%، فكانوا يشغلون 5% فقط من المسؤوليات، ومن يشغلها كانوا مجرد عبيد عند أسيادهم المسؤولين السنة العرب، سواء في الحزب أو الحكومة أو الجيش.

ب‌- كانت رموز الدولة التاريخية والمعاصرة، السياسية والدينية، ومناهجها الدراسية، وأدبيات الإعلام والصحافة، والتوجهات الثقافية، كلها سنية طائفية، وموجهة بالدرجة الأولى ضد الشيعة وهويتهم ومذهبهم.

ت‌- كانت معاناة الشيعة الفيليين والشيعة التركمان مركبة، طائفيًا وعنصريًا.

ث‌- كانت الحالة نفسها موجهة ضد الأكراد، وبالشدة نفسها، ولكن في الجانب العنصري.

 

8. جرائم التسبب في انهيار الواقع المعيشي:

 

تسببت سياسات نظام البعث وصدام في انهيار الواقع المعيشي وانهيار دخل الفرد، وفي مظاهر فقر وجوع ومرض غير مسبوقة في تاريخ العراق، حتى أصبح دخل الموظف يكفي لـ”طبقة بيض” فقط، واضطر الناس إلى بيع أثاث بيوتهم.

 

9. السرقات والرشوة والفشل والفساد:

 

أ‌- في الوقت الذي كان الشعب يعاني الفقر والجوع والمرض، كان صدام وأسرته وفريقه الحزبي يهرِّبون عشرات المليارات من الدولارات إلى الخارج، في صفقات الكوبونات النفطية، فضلاً عن السرقات الداخلية. بل أن العراق بأكمله كان مُلكاً لصدام وعشيرته وفريقه وحزبه.

ب‌- كانت الرشوة متفشية وجزءاً من روتين الدوائر الحكومية، من أصغر موقع وظيفي إلى أكبر موقع، وبلغ الأمر أن أحكام السجن والإعدام تُستبدل بالمال.

 

10. جرائم التسبب في انهيار البنى التحتية والخدمات:

 

بدأ انهيار البنى التحتية والخدمات تدريجيًا في مطلع ثمانينات القرن الماضي، حتى تحول العراق في نهاية المطاف إلى بلد بلا كهرباء، وبلا بنى تحتية وخدمات حكومية، وبلا إعمار، ما عدا قصور صدام الباذخة التي بناها بأموال الشعب.

 

11. الحروب على الشعب:

 

أ‌- الحروب على الأكراد طوال عقد الثمانينات، وأغلبها كانت تستهدف المواطنين الأبرياء.

ب‌- الحرب على الشيعة في عام 1991، والتي تسببت في تدمير عشرات المدن الشيعية.

 

12. الحروب على دول الجوار، والتسبب في نقص سيادة العراق واحتلاله:

 

أ‌- القيام بأعمال إرهابية وقتل وتفجيرات داخل سوريا.

ب‌- القيام بأعمال إرهابية وقتل وتفجيرات داخل لبنان.

ت‌- القيام بأعمال إرهابية وقتل وتفجيرات داخل إيران.

ث‌- القيام بأعمال إرهابية وقتل وتفجيرات داخل الكويت.

ج‌- الحرب على إيران، والتسبب في مقتل مليون إنسان، وتدمير البلدين.

ح‌- تسليم أجزاء واسعة من أراضي العراق إلى السعودية وإيران والأردن وتركيا.

خ‌- غزو الكويت، والتسبب في مقتل عشرات الآلاف من العراقيين والكويتيين، وتدمير البلدين.

د‌- التسبب في حصار جائر للعراق لمدة ثلاثة عشر عامًا، نتج عنه جوع ومرض وفقر وهجرة ملايين العراقيين، ودمار في البنية التحتية، في حالة لم يشهد تاريخ العراق مثيلاً لها.

ذ‌- التسبب في جلب القوات الأجنبية الاستعمارية إلى المنطقة الخليجية.

ر‌- التسبب في نقص سيادة العراق على أرضه وسمائه، وصولًا إلى احتلاله.

 

13. انعدام الحقوق والحريات السياسية والإعلامية والدينية والاجتماعية:

 

أ‌- كان حكم البعث منذ اللحظة الأولى حكماً شمولياً يحتكر السلطة بالكامل.

ب‌- بعد وصول صدام إلى السلطة، أضاف إلى شمولية البعث واحتكار السلطة حكماً فردياً دكتاتورياً مطلقاً، جعل من البعث أداة بيد صدام، وحوّله إلى إله وصنم، حتى أصبح صدام هو العراق والعراق هو صدام.

ت‌- لم يكن هناك أي فصل بين السلطات، بل كان صدام وأسرته وفريقه الحزبي الخاص هم الدولة والحكومة والسلطة والتشريع والتنفيذ والقضاء.

ث‌- لم تكن هناك انتخابات لتداول السلطة على أي مستوى من المستويات.

ج‌- لم يكن هناك دستور دائم للدولة.

ح‌- لم تكن هناك أية محاكمات حقيقية لمعارضي النظام، بل كانت الأحكام تأتي جاهزة من الأجهزة الأمنية أو صدام نفسه، حتى لو كانت المعارضة بكلمة واحدة أو جملة واحدة فقط.

خ‌- كان المواطن يتعرض لعقوبة الإعدام إذا انتقد سراً أو علناً رئيس النظام وأسرته أو حزب البعث أو الثورة كما يسمونها، أو نظر بشكل غير مناسب لصورة صدام في الشارع.

د‌- زرع البعث حالة الرعب لدى المواطن العراقي من أقرب الناس إليه؛ فكان المواطن يخاف على نفسه من الوشاية والتقارير حتى من أفراد أسرته وأصدقائه المقربين، وهي التقارير التي توصل إلى حبل المشنقة، وكثير منها كان كيدياً.

ذ‌- لم تكن هناك أية صحيفة ومجلة وإذاعة وقناة تلفزيونية غير رسمية أو غير تابعة للنظام.

ر‌- كانت خدمة الموبايل ممنوعة؛ فالعراقيون استخدموا الموبايل بعد عام 2003.

ز‌- كانت خدمة استقبال البث التلفزيوني الفضائي ممنوعة؛ إذ لا يُسمح للمواطن بمشاهدة سوى القناتين المملوكتين للنظام، ويتعرض للإعدام من تعثّر السلطة على جهاز ستلايت في منزله.

س‌- كان استخدام أجهزة الاستنساخ ممنوعًا، إلا من قبل مؤسسات النظام.

ش‌- كانت أجهزة الكمبيوتر ممنوعة، إلا من قبل مؤسسات النظام.

 

ختاماً، أرجو من القرّاء والمتابعين العراقيين والعرب وغير العرب؛ مِمّن يعتقدون أن هناك نظاماً أسوأ من هذا النموذج (الوطني الناجح) أن يطرحوا – بكل دقة وحيادية – ما لديهم من معلومات، سواء كان من الأنظمة التاريخية أو المعاصرة، وفي أي نقطة من الكرة الأرضية. ومن أراد المقارنة؛ فينبغي أن لا يكتفي بذكر اسم النظام المراد مقارنته بنظام البعث أو ذكر جريمة واحدة أو مؤشر واحد على الفساد والفشل، وإنما تستوعب المقارنة كل الفقرات المذكورة أعلاه، مقرونة بالأدلة الموثقة، وليس الكلام الإنشائي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لمتابعة “كتابات علي المؤمن” الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى