بقلم // حسين الحاج
مع نهضة الشعب الايراني عام ٧٩ بقيادة رجال الدين برزت ملامح الصراع واصطفافته في المنطقة بالتشكل بين أنظمة عائلية تمثل ارث الاستعمار الانجليزي وادوات الهيمنة الأمريكية على شعوب المنطقة من جهة وبين إرادة شعبية ناشئة و ناهضة ومتمردة على تلك الهيمنة ورافضة للبقاء في محوريتها.
وبقدر ما شكلته نهضة الشعب الايراني من قلق لدى الامريكان وخوف من تداعيات تلك النهضة على الشعوب المجاورة لحثها على النهوض والاستقلال والخروج من الهيمنة الأمريكية ، شكلت ايضا ذات القلق لدى مشيخات وأنظمة كانت تتوارث شعوب المنطقة كما تتوارث مزارع الابقار الخاصة وخشية تلك الأنظمة من انتباه شعوبها وتطلعها للحرية والقرار والاستقلال والكرامة.
بين تلك التداعيات و الاصطفافات وجد شيعة البحرين أنفسهم امام محاور الصراع ، وكان عليهم أن يختاروا بين مبادئهم الدينية والحسينية وبين أن يصبحوا جزءا من واقع شعوب المنطقة وارثها الاستعماري السيئ.
لكن وقبل البدآ لابد من التأكيد على نقطتين ضروريتين وهما :
اولا : إن الموقف من الناتج الإنساني المادي والمعنوي هو موقف أخلاقي وعقلائي في ابعاده الكبرى بمقاييس الحسن والقبح العادلة العقلية ، فثورة جيفارا هي ثورة حسنة بالمفهوم العام في قبال الدكتاتورية والاقطاعية ، والدواء الفلاني الاجنبي مثلا أرقى وافضل في مفعوله وتأثيره من الدواء المحلي ، والنظرية العلمية هناك افضل وأكثر تطورا من النظرية العلمية هنا والصدق حسن والكذب قبيح .
ثانيا: لا يمكن أن يكوم الظلم والفساد والعمالة للمستعمر الانجليزي والتجنيس وتدمير الهوية الثقافية والتمييز الطائفي والحصار والافقار والارتهان الاجنبي ومحاربة الشعوب والقمع والقتل والتعذيب والسجون
والتهجير وسحب الجنسيات والاستقواء بجيوش المرتزقة على الناس والتطبيع والتصهين قيم أخلاقية محترمة فضلا عن أن تكون قيم وطنية تستحق الولاء والتقديس.
لقد كانت تهمة الولاء للخارج والعلاقة به الموجهة ضد شيعة البحرين حاضرة بشكل كبير في إعلام النظام وبياناته السياسية والأمنية في العقود الأخيرة وهي تهمة يراد بها التغطية على الفشل التاريخي لعائلة ال خليفة الحاكمة القادمة من الزبارة في المواطنة والتعايش بصورة طبيعية مع السكان.
لقد كان مطلوبا من شيعة البحرين في مختلف المراحل القبول بجميع أنواع الاستهداف والتهميش والانتهاك والظلم والعدوان والاستلاب والنهب والارتهان والتشكيك في المواطنة والاستنقاص من الأصول و من الإنسانية والحقوق خلف عناوين الولاء للسلطة والنظام والعائلة الحاكمة في وقت كان الاوجب أن يثبت الحكم والعائلة الحاكمة حسن سيرتهم وصلاحهم واستقلاليتهم وولائهم لهذه الأرض وهذا المجتمع وان يثبت هؤلاء تطهرهم من ارث الغزو وأهداف النهب والسلب والاستيلاء وان يثبتوا جدارتهم في المواطنة والتعايش مع هذا المجتمع العميق الجذور تاريخيا في هذه الأرض.
ومع واقعية وحتمية الصراع بين نهضة الشعوب متمثلة في نهضة الشعب الايراني وتطلعات شعوب المنطقة من جهة ومن جهة اخرى ارث الاستعمار والهيمنة الأمريكية على المنطقة.
وبغض النظر عن دور بعض النخب البحرانية الحركية الرسالية الرائد في دعم ثورة الشعب الايراني وحركة قياداته الدينية من أجل التحرر من الظلم والتبعية وقبل واثناء اقامة نظامه السياسي
الا ان المفارقات في شخصية الحكم والحاكم الخليفي بالمقارنة مع شخصية حركة الشعب الايراني وقياداتها واهدافها في إيران شكلت بوصلة الموقف الأخلاقي والعقلي والإنساني لدى شيعة البحرين.
فبين عائلة حاكمة هي ارث تاريخ من الغزو والعدوان وبين قيادة دينية تسعى في تحرر شعبها من الظلم والاضطهاد
وبين عائلة حاكمة هي ارث لمرحلة العمالة وخدمة المستعمر الانجليزي وبين قيادة دينية تسعى للاستقلال التام والتحرر من هيمنة القوى العظمى
وبين عائلة حولت البلد إلى مزرعة خاصة تعيث بها فسادا وانتهاكا ، وبين قيادة دينية تبشر بالعدالة والمساواة
وبين حاكم جاهل و فاسد وعربيد منغمس في الملذات و المجون والفسق والانحراف والتجبر على المستوى الشخصي في قبال مرجع دين عالم وزاهد ووورع ومتواضع ومثقف ومتقي
وبين افراد عائلة حاكمة من اللصوص الاقطاعيين الفاسدين الجشعين المستهترين في قبال كوكبة من الشهداء والشجعان والمصلحين المضحين .
امام كل تلك المفارقات لم يكن أمام شيعة البحرين أن يختاروا موقعهم وموقفهم أكثر مما تختاره بشكل بديهي الفطرة السليمة والضمير فضلا عن الاختيار الأخلاقي والعقلي.
لقد وقف شيعة البحرين مع الشعب الكويتي ضد عدوان صدام على الكويت وبنفس البوصلة الأخلاقية وقفوا مع الشعب الايراني ضد عدوان صدام وحرب الثمان سنوات وبذات البوصلة يقفون مع الشعب الفلسطيني اليوم وحقه في أرضه واستقلاله.
اذا كان من حق ال خليفة أن يختاروا طبيعة تحالفاتهم وخيانتهم مع الدول الاستعمارية والهيمنة الأمريكية والصهاينة بما ينسجم مع مصالحهم العائلية
فمن حق شعب البحرين وشيعتها ايضا أن يختاروا تحالفاتهم مع الشعوب الناهضة والمقاومة والباحثة عن الاستقلال والتحرر من ارث الاستعمار والهيمنة الخارجية وبما ينسجم مع المبادئ الأخلاقية والدينية لشعوب المنطقة
لم يكن على ال خليفة لكي يكون شيعة البحرين أقرب اليهم من إيران بعد تخلصهم من ارث الغزو والعداء سوى أن يقدموا نماذج جيدة في الصلاح والاستقامة والزهد والاستقلال والعدل والمساواة والاحترام والنظافة وحسن السيرة والثقة ينافسوا ويتفوقوا بها على الايرانيين،
أما وانهم لا يملكون سوى خيار الوساخة والظلم والفساد والانتماء لتاريخ العدوان والاستقواء على شعب البحرين بالمرتزقة والتأمر عليه بالتجنيس ومحاربة تاريخه وثقافته وهويته وشعائره الدينية وهدم مقدساته وملئ السجون بابنائه وانتهاك الاعراض والخيانة والتطبيع والتصهين والارتهان للاجنبي من أجل البقاء في السلطة باي ثمن ، فإن من حق شيعة البحرين ايضا أن يختاروا موقعهم وموقفهم الأخلاقي والوطني والديني والإنساني تجاه انفسهم وتجاه قضايا الأمة بما يتلائم مع الفطرة والعقل والضمير والاخلاق والدين.
واذا كان على شيعة البحرين أن يذهبوا إلى إيران اذا لم يعجبهم ظلم وفساد سلطة ال خليفة كما كانت أبواق السلطة تقول بالأمس.
فان على ال خليفة وعبيدهم الالتحاق بالصهاينة اليوم اذا لم يعجبهم موقف شعب البحرين وشيعته تجاه قضاياه وقضايا الأمة.
صحيح أن الايرانيين لم ينجزوا الدولة الفاضلة وصحيح أنهم ليسوا شعب من الملائكة
لكن هناك فرق شاسع وواضح بين خيانة الأمة والارتهان للمستعمر والقوى الخارجية وربط مصير عوائل وأنظمة بمصير الصهاينة
وبين محاولات نهضة الشعوب و والاستقلال وإنجاز العدالة وان بدت غير كاملة.