الأهداف المعلنة والخفية حول تشكيل ناتو شرق أوسطي جديد

بقلم // د. حامد أبو العز

ليس من المستغرب أبداً أن يتم الحديث عن تحالف ناتو شرق أوسطي جديد في ظل هذه الظروف التي تعيشها المنطقة، ولكن المستغرب هو أن يبدأ الأردن الحديث عن هذا المشروع القديم المتجدد!!!

والسؤال هو لماذا نستغرب أن يبدأ الأردن بالترويج لهذا المشروع؟ للإجابة على هذا السؤال علينا القول بأن الأردن نفسه عاش تجربة فاشلة مشابهة لما يسمى تحالف الشرق الأوسط عندما استضاف الأردن غرفة عمليات مشتركة للتعامل أمنيا مع الأزمة السورية. حيث شملت الغرفة المشتركة عدد من الدول العربية بالإضافة إلى الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية وذلك لدعم المجموعات المسلحة في سوريا وتنظيم وصول السلاح إليها.

وبعد مرور سنوات وسنوات على الأزمة السورية، خسرت هذه الغرفة الحرب مع الحكومة السورية وحلفائها وانتصر الشعب السوري فيها ولكن ما نجحت في شيء واحد هو تخريب سوريا البلد العربي بشكل كامل. لقد كان الأردن شاهدا حيّا على فشل المخططات الأمريكية ولم يكن للأردن أي مصلحة تذكر في هذه العمليات ضد سوريا بل على العكس فلو أن الجماعات المسلحة انتصرت في حربها ضد الحكومة لكانت الحدود الأردنية والمدن الأردنية الحدودية معرضا للهجمات الإرهابية وهدفا أوليا لتوسيع القواعد الجهادية هناك.

إن مشروع ناتو جديد في الشرق الأوسط ليس فكرة جديدة بل هي فكرة قديمة تم صرف النظر عنها في كل مرة، ولعل التسمية الأولى لهذا المشروع كانت “الناتو العربي”، وكان قائدها باراك أوباما ومن ثم دعا ترامب الدول العربية لإعادة إحياء الفكرة، ولكنه بعد أن حصل أكثر من 400 مليار دولار واعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ودفع بعض الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل تخلى عن الفكرة بشكل مؤقت. تحولت الفكرة في عهد بايدن إلى فكرة إقامة “ناتو شرق أوسطي” وتغيير الاسم جاء نتيجة أن إسرائيل ستصبح عضو أساسي إن لم نقل القائد فيه ولذلك وجب تغير الاسم.

وبعيدا عن التسميات يجب علينا البحث في الأهداف المعلنة وغير المعلنة لهذا الحلف وفرص نجاحه. في الحقيقة إن الأهداف المعلنة لهذا الحلف هو مواجهة إيران وتشكيل خط دفاعي مشترك ضدها. كما يسعى هذا الحلف إلى ضم تركيا إلى صفوفه وقد ظهرت بعض الإشارات على ذلك من خلال زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي إلى تركيا ومن خلال تأليب تركيا ضد طهران واتهام الأخيرة بأنها تخطط لاستهداف الإسرائيليين على الأراضي التركية. كما ظهرت مؤشرات أخيرة عن تزايد الدور التركي في أفغانستان بغية الاستفادة من هذه الظروف للضغط على طهران ورعاية تركية للجنرال الأفغاني السابق “دوستم” ومحاولة ترتيب مصالحة بينه وبين طالبان تنصب ضمن هذه الخطة.

أما الأهداف المباشرة وغير المعلنة لتشكيل هذا الحلف فهي أولاً إعادة رص صفوف الدول الخليجية (السعودية والإمارات) اللتان فكرتا لوهلة بالابتعاد عن المعسكر الأمريكي. حيث تسعى الولايات المتحدة من خلال إنشاء هذا الحلف إلى إعادة هذه الدول إلى المعسكر الغربي والاستعداد للاحتمالات القادمة من الحرب الأوكرانية خصوصا بعد نجاح روسيا بتجاوز العقوبات الغربية وارتداد هذه العقوبات على الدول الغربية والولايات المتحدة. ثانياً المضي قدما في المشروع القديم وهو تصوير إيران على أنها العدو الأول للدول العربية ولكن في الحقيقة وبعد حرب غزة الأخيرة وعمليات التنسيق المشتركة في محور المقاومة بدأت إسرائيل والولايات المتحدة تشعران بالقلق من تزايد قوة هذا المحور وحصوله على منظومة صواريخ متطورة من إيران قد تهدد وجود إسرائيل. ولذلك فإن الهدف غير المعلن هو حماية أمن إسرائيل من خلال إيجاد عدو وهمي للدول العربية هو “إيران”.

ثالثاً: بعد الركود الاقتصادي الذي تعيشه الولايات المتحدة أصبح لزاما على إدارة بايدن البحث عن ممولين جدد للاقتصاد الأمريكي. وبعد ارتفاع أسعار النفط والعائدات الهائلة التي تجنيها الدول الخليجية من هذه الظروف بدأ الأمريكي يفكر ببيع أسلحته مرة أخرى. ولذلك فإن الحلف الجديد يحتاج إلى أسلحة متطورة ومنظومة سلاح دفاع جوي متطورة ولذلك ستنفق الدول الخليجية مرة أخرى مليارات الدولارات لشراء أسلحة لمواجهة عدو وهمي لا يفكر بالاقتراب من حدودهم أبداً على عكس العدو التاريخي للعرب والمسلمين وهو “إسرائيل”.

ختاماً، كجميع الخطط والمشاريع الأمريكية السابقة سوف يفشل هذا المشروع مرة أخرى إن لم نقل بأنه ولد ميتاً. والدليل على ذلك بسيط للغاية وهو أن الشعوب العربية تفكر بشكل أعمق من الرؤساء العرب. هذه الشعوب على يقين تام بأنّ عدوها الأول هي إسرائيل والمنظومة الدموية التي تحكمها وتقتل الشعب الفلسطيني بشكل يومي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى