المطروح على الطاولة.. وولاية الحلف المُزمع
بقلم / فؤاد البطاينة
في غمرة ما يعيشه الأردنيون من نكبات داخلية، يُقبل نظامه على مغامرات سياسية – عسكرية محرمة يستحيل تفسيرها بغير العدوان السافر على كل أردني. يأتي هذا ليعزز دخول الأردنيين في ثورة لسان تعبيرية مفتوحة ضد النظام وسلوكه لا سابقة لحجمها ونوعها. تراكمية الأسباب والتشكل تجري لمستقر لها. وثورة اللسان الشعبية التعبيرية هذه في تصاعد، وتنتظر شرارة لفوضى أشبه بثورة الجياع مع أن المفترض أن تتطور الى عصيان مدني هادف. وهذا لا يحدث بسبب احتلال الشارع من قبل معارضة تتأرجح بين جاهلة، وواعية منافقة، والنفاق مُثقل بالجبن. وهذه الحالة الشعبية محذور موجود على طاولة أمريكا وإسرائيل تحتاج لحل مسبق. ولن يكون هذا الحل إلّا بإبقاء الشعب في حالة السكون وتفريغ شحنات غضبه وحرف بوصلته بمسائل وضغوطات إجتماعية ومعيشية متتالية، وعاجزاً عن الفعل أو التحرك الجماهيري، وصولا لإخضاعه بغتة في حدث منتظر تُخلط فيه الأوراق. إنها الحرب المحرّمة المرسومة بنتائجها الإستراتيجية ستزيل بطريقها هذا المحذور قبل أن يقع. فالظرف لأمريكا وإسرائيل اليوم حساس، والوقت محدود وثمين لتنفيذ صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية.
وبهذا أقول إن الحرب على إيران ليست موجودة على طاولة أمريكا وأوروبا وسيبقى الأمر كذلك ما دامت الحرب في أوكرانيا تجري في إطارها الضيق والإقليمي دون تقنين حلف شرقي فيه إيران، وما دام ليس هناك مشكلة أو تهديد إيراني تعجز أمريكا عن إزالته سلمياً. فالحرب على إيران خطورتها محققة على وجود إسرائيل ما دام حزب الله قائماً، كما أن مثل هذه الحرب تشكل محذوراً عالمياً لأثرها التدميري على الطاقة وخطوط المواصلات. ونستحضر هنا بأن إسرائيل لا تخوض حربا على إيران أو حزب الله دون مشاركة أمريكا الضامنة لأمنها ووجودها. أما إذا كانت هناك استعدادات عسكرية في المنطقة تتراءى لنا باتجاه إيران، فليست أكثر من ذر الرماد في العيون، وإذا تجاوز الأمر هذا افتراضاً خاطئاً فهي دفاعية أمام الطرف الأخر لاحتمالات ضعيفة. ولو كانت أمريكا بصدد الهجوم على إيران فليست بحاجة لضجيج مثل هذا لحلف من دول هي أصلا حليفة لها وراضخة وقواعدها العسكرية منتشرة فيها. بل لكانت بحاجة لموافقة ومشاركة أوروبية.
ولكن أمريكا في هذا الظرف المنشغل فيه العالم بأوكرانيا وباحتمالات حرب عالمية، أصبحت عجولة لتصفية القضية الفلسطينية في سياق صفقة القرن وضم الأردن لاحتلال فلسطين وإعادة تشكيل دول المنطقة ودمج إسرائيل فيها بتفوقها العسكري والسياسي. وهذا كله مرتهن بإخضاع سورية. فالمطروح على الطاولة الأمرو- اسرائيلية في المنطقة الآن هو استهداف سورية بغطاء عربي بالحرب عليها كشرط لتحقيق كل هذا، يرافقها أو يتبعها استهداف المقاومة الفلسطينية الغزية. وفي هذا الإطار المحدد تكمن طبيعة وحدود الحلف المزمع مع حكام ولدوا في مؤسسة الخيانة والجاسوسية الأمرو- صهيونية. وإن كان النظام الأردني ولد محكوماً باعتماده على الأحلاف كاستراتيجية سياسية متعددة الغايات. فإن إسرائيل المبَرّرُ تحالفها الإستراتيجي مع أمريكا كضامنة لحماية وجودها بتفهم روسي صيني، ليس من مصلحتها ولا في إستراتيجيتها السياسية بعيدة المدى الدخول بأحلاف دولية وخاصة في مواجهة روسيا والصين أو مع أي دولة حتى لو كانت عربية.
ولهذا لم تكن إسرائيل في حلف بغداد ولا في حلف الناتو أو بحلف مرتبط به، ولا الأحلاف الأمريكية والأوروبية المختلفة لها مصلحة في تقنين تحالفات مع إسرائيل تقحمها في الصراع مع الدول العربية باعتبارها هدفاً سياسياً عسكرياً أسمى لإسرائيل لا يتوقف. فلا إسرائيل ولا أمريكا بصدد حلف رديف للناتو في الشرق الأوسط سيكون أيضاً وبالضرورة استفزازيا للغاية لروسيا والصين وكوريا ولا يران ودول أخرى، وفيه دعوة لعسكرة العالم لحرب ثالثة أو لأحمال جديدة على أمريكا
اللعبة تجري في منطقتنا اليوم على المكشوف، والطريق أمام التحالف ومخططه مفتوحة في غياب المعارضة القومية والوطنية على السواء. وبمسحة عامة للعالم العربي أقرب للعلقة في ذيل المنظومة الإمبريالية. هذا الحلف المرتبك برعاية أمريكا يتميز بخطورته عن حلف بغداد بوجود اسرائيل عدونا الوجودي المحتل فيه، وبمهمته الأساسية في غزو الأمرو إسرائيلي لسورية الأم وحاضنة العروبة بجيوش عربية وبمسماها، وشيطنة واستعداء عرب التحالف للمقاومة الفلسطينية، لكن الأمل قائم بالشعب ذاته الذي أسقط حلف بغداد بانتفاضات شملت المدن وامتدت للقرى، وبجيش رفض أن يكون إداة لخمة مصالح العدو. وليعلم الجميع أن سقوط سوريا بيد إسرائيل فيه نهاية العروبة والدوس على رؤوس الخونة. وأن إحراق القضية الفلسطينية لن يكون بغير محرقة حطبها ورمادها كل العرب. فهل تتحرك شعوبنا وهل يكون الأردنيون والفلسطينيون الطليعة؟