كنوز ميديا / تقارير / متابعات

يستلقي مرتضى العبيدي على عربة خشبية مركونة أسفل لوحة إعلانات تعرض منتجاً أجنبياً باهض الثمن، على مقربة من سوق الشورجة الشهير، الذي “كان يعد حتى وقت قريب” الرئة الاقتصادية للعاصمة العراقية.
ينتظر العبيدي “معجزة إلهية” تُغيّر حالته المعيشية المتعسّرة، في ظل التدهور الاقتصادي الذي ضرب العراق، جراء سياسات حكومية قد تتسبب في المستقبل القريب بانهيار في الأسواق المحلية.
“منين ناكل؟!” يقول العبيدي وهو شاب في العقد الثاني من العمر، يُعيل أسرة من خمسة أفراد، شاكياً  بنبرة حادّة، “غياب مبدأ العدالة” في توزيع الثروات ومنح فرص العمل بشكل متساوٍ بين العراقيين.
وبينما ينهمك مرتضى العبيدي بالعمل على عربته في ظل أجواء صيفية لاهبة، ليعيل والدته وأخواته الثلاث، تنشغل القيادة السياسية في العراق بمجريات القمّة الثلاثية التي احتضنتها بغداد أمس الأحد، وضمّت رئيس الوزراء العراقي، الرئيس المصري والملك الأردني، لمناقشة ملفات عدة في طليعتها التعاون الاقتصادي والأمني والتجاري.
وتعد “قمة بغداد 2021″، كما يطلق عليها الإعلام الرسمي العراقي، الرابعة إذ أنه في أقل من عام عقد الرؤساء اجتماعات ثلاثة، الأول كان بالقاهرة إبان عهد الحكومة السابقة عام 2019، وتبعه في أيلول الماضي لقاء آخر على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، والأخير بالعاصمة الأردنية عمان في ظل جائحة كورونا.
وكان من المرتقب أن يركز الحديث في الجانب الاقتصادي على مشروع “الشام الجديد”، والذي أطلقه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي للمرة الأولى، آب الماضي، إذ قال حينها لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية إنه يعتزم الدخول في مشروع استراتيجي يجمع القاهرة وبغداد وعمّان.
وأوضح الكاظمي حينها أنه “مشروع اقتصادي على النسق الأوروبي، من شأنه أن يتيح تدفقات رأس المال والتكنولوجيا بين البلدان الثلاثة على نحو أكثر حرية”.
بيد أن البيان الختامي للقمّة الثلاثية، بدا كما كان متوقعاً، ذا طابع سياسي أكثر من كونه اقتصادياً، إذ شككت أطراف سياسية وفعّاليات اجتماعية مختلفة، بنتائج وجدوى هذه القمّة التي تعقد في ظل أجواء سياسية لاهبة تعصف بالشرق الأوسط، لاسيما بعد موجة التطبيع العاتية التي انزلقت فيها دول خليجية عدّة.
ونتج عن القمّة بيان ختامي من جزءين ضم 29 نقطة، معظمها كان بروتوكولياً ومليئاً بالمباركات وتبادل التهاني والإشادات بين الرؤساء الثلاثة، في حين تطرق إلى جوانب اقتصادية يراها خبراء بأنها “متواضعة” ولا ترتقي إلى حدث يجري الترويج له منذ أشهر.
وفي الأثناء التي يجلس فيها الملك الأردني في قلب العاصمة بغداد، تتدفق آلاف البضائع الإسرائيلية سنوياً إلى العراق، لتغزو أسواقه وتستنزف أمواله، تحت غطاء “عربي” يستخدم للتمويه عن تبعية السلع التي يقتنيها المستهلك العراقي.
وبحسب مصادر مسؤولة فإن كميات كبيرة من المنتجات الإسرائيلية تغزو الأسواق العراقية بالإضافة إلى منتجات عديدة وبشكل يومي، من خلال شركات أردنية تلعب دور الوسيط بين السوق العراقية والبضائع التي يصنعها الكيان الصهيوني.
وتجري تلك العملية وفقاً للمصادر ذاتها، من خلال إيصال البضائع الإسرائيلية إلى الأردن، ومن ثم إعادة تغليفها بشكل آخر لتتمكن من تسويقها دون الإشارة إلى أصل المنتوج.
وفي وقت سابق، كشفت وسائل إعلام عبرية بينها صحيفة “يديعوت احرونوت”، بأن البضائع الإسرائيلية الموجهة إلى الأسواق العربية، يتم نقلها إلى قبرص وتنطلق من هناك إلى الأسواق، متجاوزة المقاطعة العربية وتصل إلى سوريا ولبنان والعراق والأردن ومصر والمغرب وتونس والجزائر وموريتانيا، عن طريق شركات وهمية مسجلة في مصر والأردن.
وتعليقاً على ذلك يقول عضو لجنة العلاقات الخارجية النائب عامر الفايز ، إن “القمة الثلاثية التي احتضنتها بغداد بين العراق ومصر والأردن، هي في الأصل ذات طابع سياسي”، لافتاً إلى أن “من يروج إلى وجود جوانب اقتصادية تداولتها القمّة فهو واهم”.
ويرى الفايز أن “مصر والأردن دولتان تعانيان من مشكلات اقتصادية جمّة، وأن وضع العراق أفضل منهما، وبالتالي فإنه ليس هناك مردودات اقتصادية جيدة ستفرزها نتائج القمة الثلاثية”.
ويضيف أن “الزيارة سياسية وتأتي لترتيب أوراق المنطقة على اعتبار أن العراق يمتلك اليوم ثقلاً إقليمياً، وهو قادر على فرض التوازنات في منطقة الشرق الأوسط”.
وعقدت الأردن، ومصر، والعراق اجتماعات مماثلة في العامين الماضيين، ركزت على البنى التحتية والتنسيق المشترك لمحاربة التنظيمات المسلحة، إلا أنها بدت بحسب مراقبين، “غريبة” وتثير “الشكوك” من حيث التوقيت والأهداف.
وعزز هذه “الشكوك”، البيان الختامي الذي صدر عن القمّة السابقة، وتضمن تأكيداً على “ضرورة تفعيل الجهود لتحقيق السلام العادل والشامل”.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here