بقلم / الشيخ عبد الهادي الدراجي

يُصاب الإنسان بالذهول حينما يرى كمية الانحدار الخطير في التدني الأخلاقي سياسياً واجتماعياً وأقتصادياً وبيئياً وبخاصة فيما تتبناه بعض أشباه المدنية المزعومة ‘ فمعنى أن تكون مدنياً هو ان تكون مرتبطاً بكمية القوانين المنضبطة التي تحترم الآخر وتحترم وجوده ككيان مستقل وكائن وجودي يشغل حيزاً في هذا العالم المادي بفكره وعقله وما يشغله من مساحة عمل منتجة ، أما الإلغائية لتلكم الخصوصية بحجة المدنية او الليبرالية بحيث تعطي لنفسك الحرية المطلقة في استهداف من تريد ومن ترغب بالأنتقاص منه فتلك رؤية مدنية متدنية خصوصاً أذا ارتبط هذا الأنتقاص من رموز أنسانية أعطت نتاجاً ومساراً صالحاً في عمل الخير أو الدعوة له ، هنا علينا ان نقف متأملين في نتاج المدنية والليبرالية في منطقتنا وهل أنها أستطاعت ان تعطي شيء جديد خارج نطاق الدين !!؟؟؟.
ويبدوا لي ان الاجابة بديهية جداً اذا تم مقارنة ماهو مدني ليبرالي في العالم العربي وبين ماهو مدني وليبرالي في العالم الغربي ذلك لأن مدنية المجتمع العربي انما هي مدنية انفعالية لم تستطع ان تعطي لنا نموذجاً عملياً او اخلاقياً او سياسياً أو مجتمعياً يستند الى رؤية قانونية منضبطة والأهم من ذلك أكيداً انها لاتضع في حسابتها أي أعتبار للدين ورموزه بل نستطيع القول أن لُب تفكيرها قائم على ( فصل الدين ) ليس عن الدولة فحسب بل فصله عن الفضاء العام برمته وتلك دوغمائية يصل خطرها الى عمق واسع يكاد يكون أعمق من الفكر الديني ( الداعشي ) وتلكم النظرة الاقصائية أباحت لمعتنقي هذه الرؤية التجاوز على كل الرموز والمقدسات الدينية بحجة انها اي – المدنية – في تضاد مع الدين ومساراته السياسية والفكرية والمجتمعية وهذا يدل على الفهم الساذج واللامسؤول لمغذيات الفكر المدني للفرد والمجتمع ، يحدثنا تشارلز تايلور عن أهمية القانون المدني الليبرالي الذي يؤمن بالتكيف الديني مع المجتمع الليبرالي العلماني بقوله انها اي الليبرالية العلمانية ” نمط في الحكومة يهدف الى اقامة التوازن الأمثل بين الحق في المساواة في الأحترام من جهة والحق في حرية الضمير من الجهة المقابلة. إن نظام الحكم العلماني الليبرالي لا يعيبه حضور الديني في الفضاء العمومي ، فهو يسمح باللجوء الى التكيفات الضرورية التي من شأنها الحفاظ على المساواة أو السماح بحرية أداء الشعائر الدينية في الفضاء العمومي مادام ذلك لايمس حق الافراد في المساواة في الأحترام الأخلاقي”.

وانت خبير بأن هذا التعبير لتايلور ماهو الا عامل من عوامل التأسيس الأخلاقي في أحترام الآخر بطقوسه ورموزه وتكيفاته وفي مجتمع مفتوح مثل المجتمع الغربي ، هنا عليَّ القول أن مساحات الحرية المطلقة التي يؤسس لها أدعياء المدنية والتي تبيح لهم المغامرة والمؤامرة بكل ماهو ديني ماهو الّا تأسيس خاطئ مبتني على ردات الفعل غير المسؤولة تجاه الدين او قل انما هو جهل مركب بتعاريف العلمانية والليبرالية والمدنية فهي ليست نموذجاً ( للكشخة ) الزائفه او للسُباب والشتائم او الالحاد المنفعل وهلَّم جراً.
لقد تجاوز الفكر المدني والليبرالي في مجتمعات غير مجتمعاتنا العربية سسيلوجيا العمى الأخلاقى وتحول الى مجتمع يحترم الآخر ويحترم كل خصوصياته الدينية والمدنية والعلمانية والليبرالية ، وفي مجتمعنا العراقي تكاد تكون صفة المدنية والليبرالية والعلمانية ماهي الّا انعاكسة لواقع مجتمعي وسياسي مريض يتربص بكل القيم والعادات والتقاليد التي تغذى وتربى عليها مجتمعنا في كل أبعاده الجغرافية تلك القيم التي بسطت سيادتها من خلال تأصيل الثابت لا المتغير بكل مساراته ومن هنا كناصح لهذا الفكر المدني او الليبرالي ما عليهم الّا التكيف مع تلكم الثوابت الدينية والعرفية والأجتماعية وذلك من خلال رسم وفهم مسارات التعددية العراقية واحترام خصوصيات الآخر ورموزه مهما اختلفتم معها ، ذلك للخلل البنيوي في فكر المدنية المزعوم المضاد للدين خصوصاً ، فالدين ليس طارداً لكم بعكس طردكم لمفاهيمه وتعاليمه وقنواته الأخلاقية المختلفة !!!! ، بل هو يؤسس الى التعايش المجتمعي التعددي وفق ذلك التأسيس المعرفي المأثور للأمام علي عليه السلام ( الناس صنفان إما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق ) او قوله تبارك وتعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ).

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here