كنوز ميديا / تقارير

ما يزال “حجي علي” الرجل العراقي الستيني، يستذكر بحسرة مظهر الدبابات الأمريكية وهي تطأ أراضي العاصمة بغداد للمرة الأولى، وذلك في التاسع من نيسان عام 2003.
“كنا بوقتها بمنطقة السعدون وقريب على بيتنا شفنا مشهد إسقاط الصنم بساحة الفردوس”، يقول “حجي علي” وهو يصف حال المشهد في ذلك الحين، مشيرًا إلى أن مشاعر الفرح اختلطت بالحزن في ذلك الوقت.
ويبرر ذلك بالقول: “فرحنا بسقوط صنم الطاغية اللي شبعنا ضيم وحصار وتجويع، لكن مشهد دخول دبابات الاحتلال بنص بغداد چان يعصر الگلب”.
واستشرف “حجي علي” الرجل البغدادي البسيط، منذ ذلك الحين، أن الاحتلال الأمريكي لن ينقشع عن العراق إلا بعد سنوات طويلة، وعلى ما يبدو فإن توقعاته للمشهد لم تكن خاطئة.
وهذا ما يذهب إليه معظم العراقيين الذين اختلطت مشاعرهم بين الفرح بسقوط الطاغية، والحزن لاحتلال بلادهم من تحالف جائر تقوده أميركا التي لم تدع بلدًا إلا ودمرته عن بكرة أبيه.
كل ذلك دفع ثلّة من أبناء العراق إلى الانخراط في بودقة واحدة كان هدفها الرئيسي مقارعة المحتلين، وقد انضموا في تشكيلات عرفت باسم فصائل المقاومة الإسلامية التي ما تزال، بحسب مراقبين، تُمثل “كابوسًا حقيقيًا للإدارات الأمريكية المتعاقبة”.
ويمتد تأريخ وجود القوات الأمريكية في العراق منذ الاحتلال عام 2003 وحتى انسحابها من البلاد عام 2011، بعد هزيمة كبيرة تلقتها على يد فصائل المقاومة الاسلامية، لكنها عادت من جديد في منتصف عام 2014 ملتحفة بغطاء التحالف الدولي لمحاربة “داعش” الذي اجتاح مدنًا عراقية عدة، قبل أن تتمكن القوات الأمنية والحشد الشعبي وفصائل المقاومة من دحر التنظيم الإرهابي وإعلان هزيمته عام 2017.
وكان مقررًا أن تجلي أمريكا آخر جندي عسكري لها من العراق في 31 كانون الأول الماضي، وفقًا للإعلان الحكومي العراقي – الأميركي، بعد جولات عدة من الحوار الاستراتيجي الذي شككت بنتائجه فصائل المقاومة الإسلامية وقوى سياسية عدة، بيد أنها لم تنفذ ما تعهدت به، إذ مازالت القوات الأمريكية تربض داخل قواعد عسكرية منتشرة في شمال وغرب العراق.
وأعلنت الحكومة العراقية العام الماضي، عن انتهاء المهام القتالية لقوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، بيد أن تصريحات المسؤولين الأميركيين تشير إلى عكس ذلك.
وعن ذلك يقول المحلل السياسي صباح العكيلي إن “الولايات المتحدة لطالما سعت إلى إبقاء قواتها العسكرية في العراق على المدى الطويل، وقد حذرنا من ذلك مرارًا وتكرارًا، إلا أننا لم نجد آذانًا صاغية من الحكومة الحالية”.
ويضيف العكيلي أن “جولات الحوار الاستراتيجي التي جرت بين الحكومتين العراقية والأميركية، لم تُفضِ إلى نتائج حقيقية يثمر عنها انسحاب القوات الأميركية بشكل تام”.
ويحذّر العكيلي من “وجود تعمّد بالتغاضي عن تواجد القوات الأميركية واستمرار بقائها على الأراضي العراقية”، عازيًا ذلك إلى “التصريحات التي يُدلي بها مسؤولون أمريكيون عن عدم وجود نوايا للانسحاب”.
وما يزال ملف التواجد العسكري الأجنبي، يُمثّل مصدر قلق وتهديد للعراقيين الحالمين بوطن “كامل السيادة”، ففي الوقت الذي تواصل فيه الحكومة غض الطرف عن الحراك العسكري الأميركي، يزداد توغل واشنطن داخل الأراضي العراقية لتحقيق أهداف عسكرية طويلة الأمد.
وبينما يتواصل الحديث في الأروقة الحكومية، عن انسحاب القوات الأجنبية من العراق وفقًا لاتفاق استراتيجي مزعوم، تؤكد وزارة الدفاع الأمريكية أنها “ستبقى في العراق وسوريا” بزعم محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي.
وفي هذا السياق تقول نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط دانا سترول في بيان صادر عن الوزارة، إن داعش “لا يزال يشكل تهديدا للمنطقة، على الرغم من أن التنظيم لم يعد يسيطر على أراضٍ في العراق وسوريا”.
وتشير سترول إلى أن “وزير الدفاع لويد أوستن أعاد تأكيد الولايات المتحدة الالتزام بالحفاظ على قوات في العراق وسوريا”، لافتة إلى أن “مراجعة الموقف العالمي لوزارة الدفاع يؤكد بشكل خاص على أن الولايات المتحدة ستحافظ على وجودها في العراق وسوريا لدعم جهود شركائها لضمان الهزيمة الدائمة لداعش”.
وتواصل وزارة الدفاع الأميركية “العمل كجزء من التحالف العالمي لهزيمة داعش، والذي يجمع 79 دولة و5 منظمات دولية لتوفير مجموعة من القدرات العسكرية والتمويل والدعم السياسي للحملة ضد داعش”، على حد تعبير البنتاغون.
وسبق أن أكدت الولايات المتحدة في تصريحات رسمية، أن قواتها المتواجدة داخل الأراضي العراقية بصفة “مستشارين”، هي في الحقيقة عبارة عن مقاتلين مدربين على تنفيذ مهام عسكرية، ولا علاقة لهم بالدور الاستشاري المزعوم.

وفي الخامس من كانون الثاني 2020، صوت مجلس النواب خلال جلسة استثنائية، على قرار يُلزم الحكومة بالعمل على جدولة إخراج القوات الأجنبية من العراق، ومنعها من استخدام أرض البلاد وسمائها ومياهها، لتنفيذ أية أعمال عدائية تجاه دول الجوار الجغرافي.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here