“الثلاثي” يحظى بـ”طوق نجاة” جديد على وقع الاحتدام السياسي

كنوز ميديا / تقارير

تساؤلات عديدة برزت على الساحة العراقية، بعد موقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بشأن “تجريم” التطبيع مع الكيان الصهيوني، عبر تشريعات قانونية جديدة.
وبطبيعة الحال، فإن دعوة كهذه تحظى بتأييد واسع على الصعيدين الشعبي والسياسي، نظرًا للطبيعة الدينية المحافظة لدى المجتمع العراقي، لاسيما أبناء المكون الشيعي الذين “تربوا على مقارعة الاحتلال”، حسبما يرى مراقبون للشأن السياسي.
بيد أن هناك نقدًا لاذعًا صدر من فعاليات سياسية واجتماعية عدّة، بسبب الأطراف التي يسعى الصدر إلى إدخالها في مبادرة لـ”تجريم التطبيع”، على الرغم من الاتهامات العديدة التي تطال تلك الأطراف بإنشاء علاقات سرية وأحيانًا علنية مع الكيان الصهيوني.
وأعلن الصدر مساء السبت الماضي، عن عزم “الكتلة الصدرية مع حلفائها في الفضاء الوطني قريبًا (تقديم) مقترح مشروع لتجريم التطبيع والتعامل مع الكيان الصهيوني مطلقا”، ثم عرضه تحت قبة البرلمان للتصويت عليه، دون أن يحدد موعدًا لذلك.
ويقصد الصدر بعبارة “حلفاء الفضاء الوطني”، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، وتحالف السيادة الذي يقوده خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب.
ويرى مراقبون للشأن السياسي أن مقترح الصدر، يُمثّل طوق نجاة لشركائه في التحالف الثلاثي، الذي بات قاب قوسين أو أدنى من التفكك، نتيجة الانسداد السياسي الحالي، والخلافات التي تُنذر بتفتيت تحالف السيادة.
ويأتي ذلك بعد أشهر من إصدار مجلس القضاء الأعلى في أيلول الماضي، مذكرات توقيف بحق 3 أشخاص، بينهم نائب سابق، شاركوا في مؤتمر دعا للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
وفي آذار الماضي اتفق الصدر وبارزاني، على تشكيل لجنة تقصي حقائق للتأكد من وجود مقرات إسرائيلية في إقليم كردستان، وذلك بعد ساعات من استهداف مقر للموساد في أربيل بـ12 صاروخا إيرانيا.
وجاء ذلك بعد أن تبنى الحرس الثوري الهجمات، وقال إنها استهدفت” المركز الاستراتيجي للتآمر والأعمال الخبيثة للصهاينة”.
أما فيما يتعلّق بالحليف السني للصدر، فقد كشف نائب رئيس الوزراء الأسبق بهاء الأعرجي، أن “من يدعم بعض أطراف التحالف الثلاثي باستثناء السيد الصدر، هي تركيا التي تعمل بالوساطة لصالح إسرائيل عدوة العراق والمسلمين”، لافتًا إلى أن “البيت السني ليس موحدًا، على اعتبار أن شركاء حزب تقدم، يسيرون بإرادات دولية وهذا مشروع خطير”
ولطالما كثر الحديث عن وجود دور إقليمي مدعوم من الكيان الصهيوني، يُسيّر التحالفات وقد بدا ذلك جليًا في “توليفة العطّار” التي ساهمت بإنشاء التحالف الثلاثي، أو ما بات يُعرف بتحالف “إنقاذ وطن”.
وتعليقًا على ذلك يقول المحلل السياسي مؤيد العلي إن “العراقيين يرحبون بأي مبادرة أو موقف سياسي رافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، وهم يدعمون أي توجه يمنع انزلاق العراق في منحدر التطبيع، في ظل المؤامرات التي تُحاك في دول إقليمية بنت علاقات متينة مع إسرائيل، طمعًا بمكاسب مؤقتة على حساب الفلسطينيين الأبرياء الذين يتعرضون بشكل يومي إلى أبشع أنواع الانتهاكات”.
ويضيف العلي أن “القانون العراقي يُجرّم بناءَ أي علاقات مع الكيان الصهيوني، وهو تشريع ثابت ومتفق عليه ضمن قانون العقوبات”، مستدركًا بالقول: “لكن هناك أطراف سياسية غير مؤمنة بالعراق تسعى إلى بناء جسور تفاهم مع العدو الصهيوني عبر وسطاء إقليميين”.
وتنص المادة 201 من قانون العقوبات العراقي على أنه “يعاقب بالإعدام كل من حبذ أو روج مبادئ الصهيونية بما في ذلك الماسونية، أو انتسب إلى أي من مؤسساتها أو ساعدها ماديا أو أدبيا أو عمل بأي كيفية كانت لتحقيق أغراضها”.
وفي الخامس والعشرين من آذار المنصرم، هبطت طائرة في العاصمة الأردنية عمّان كانت تقل رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقي مصطفى الكاظمي، الذي شارك هناك في قمة رباعية جمعته مع الملك الأردني عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في مدينة العقبة.
وتعتبر قمّة العقبة بين البلدان الأربعة، الثانية من نوعها التي يستضيفها الأردن، إذ عقدت أول قمة في آب 2021 بالعاصمة الأردنية عمان.
وشكل العراق ومصر والأردن مجلسًا تنسيقًا مشتركًا على ضوء نتائج القمة الثلاثية الأولى. كما أبرمت الدول الثلاث اتفاقيات اقتصادية مشتركة وأخرى ثنائية فيما بينها تتمحور في الغالب حول الطاقة والتجارة والاستثمار.
وقد بلورت القمم الثلاثية السابقة، ما أُطلق عليه اسم “مشروع الشام الجديد”، كتكتل اقتصادي بين العراق ومصر والأردن، مع إمكانية ضم أطراف أخرى إليه مستقبلاً، مثل السعودية والإمارات وتركيا.
وكان الكاظمي من أوائل الذين طرحوا هذا المصطلح وسوقوا له، خلال زيارته للولايات المتحدة في آب 2020، حين قال لوسائل الإعلام الأمريكية إنه يعتزم “الدخول في مشروع استراتيجي يحمل هذا الاسم، وهو مشروع اقتصادي على النسق الأوروبي، يجمع القاهرة ببغداد، وانضمت إليه عمّان، لتكوين تكتل إقليمي قادر على مواجهة التحديات”، على حد تعبيره.
وهناك أوجه شبه ونقاط التقاء غير قليلة بين مشروع “الشام الجديد” ومشروع “الشرق الأوسط الكبير” – أو الجديد – الذي طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز بعد “مؤتمر مدريد للسلام” بين الفلسطينيين والصهاينة في العام 1991، ليأخذ المفهوم والمصطلح بعد ذلك أبعادًا أوسع، من خلال حملات التنظير والتسويق والترويج المتواصل له في مختلف المحافل السياسية والفكرية والأكاديمية والإعلامية الغربية، وحتى بعض الأوساط والمحافل العربية.
ليس هذا فحسب، بل إن “الشام الجديد”، في بعض مضامينه وأبعاده غير الواضحة والضبابية، يلتقي مع ما يسمى بمشروع “صفقة القرن”، الذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مطلع العام 2020، وهو خطة لتسوية القضية الفلسطينية وإنهائها لمصلحة الكيان الصهيوني، وتوظيف القدرات المالية العربية لترسيخ الوجود الصهيوني في فلسطين وتكريسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى