بقلم/ د. علي دربج
في الوقت الذي افترض فيه الغرب وخصوصاً اوروبا ـ “القارة العجوز” ديموغرافيًا، والعاجزة سياسياً ودبلوماسياً وحتى عسكرياً المسلوبة القرار أمريكياً ـ ان روسيا سترفع الراية البيضاء، وستطرق ابواب البيت الابيض وبروكسيل، صاغرة مستسلمة بعد فرض العقوبات الخانقة على قطاع النفط الروسي، انقلب سحر العقوبات على الساحر الغربي، بعدما اكتوى ومازال بنار الأسعار الملتهبة التي قفزت بشكل جنوني، لا سيما وقود السيارات، والديزل (أما الغاز فحدث ولا حرج، وهذا نقاش آخر)، فكان الاوروبيون أول المتضررين من هذه العقوبات التي ارتدت عليهم أولا وأخيرا.
كيف حوّلت روسيا تهديد العقوبات على نفطها الى فرصة ؟
لم تتأثر روسيا بالعقوبات الغربية على قطاع النفط لديها، فسرعان ما وجدت موسكو البديل عن أوروبا بسرعة، ونجحت بالتالي في تعويض زيادة الطلب على النفط الروسي بالتوجه نحو آسيا، بعد الانخفاض الحاد في عدد البراميل التي يتم بيعها إلى أوروبا جراء العقوبات، ما أطاح بجهود الغرب لمعاقبة موسكو بسبب عملياتها العسكرية في اوكرانيا، والأهم، ان خطوة الكرملين هذه حافظت في الوقت ذاته، على تدفق الإيرادات المالية لروسيا.
ليس هذا فحسب، كانت كل من الصين والهند الرابحتين والمستفيدتين الرئيستين، من العقوبات النفطية على روسيا، إذ ذهب معظم النفط الإضافي إلى هاتين الدولتين العملاقتين.
ماذا عن الكميات التي تصدّرها روسيا الى آسيا ؟
مع أنه لم يتضح بعد إلى أي مدى ستستمر آسيا في شراء النفط، بينما حرمت أوروبا (نفسها مكرهة وتحت الضغط الأمريكي) من الطاقة الروسية، إلا أن التحوّل نحو آسيا، سمح لموسكو بالحفاظ على مستويات إنتاجها، وتحدي توقعات المحللين بأن إنتاجها سينخفض.
هنا، قد يكون من المفيد جدا الاستعانة بلغة الأرقام، التي تشير الى انه بعدما انخفضت مبيعات الخام الروسي الى اوروبا، بمقدار 554 ألف برميل يوميا في المدة ما بين آذار وايار الماضيين، زادت شركات التكرير الآسيوية من حصتها البالغة 503 آلاف برميل يوميا من روسيا. وعليه هذا يعني ان موسكو نجحت باستبدال صادراتها النفطية على وفق معادلة واحد بواحد، دون أية خسارة تذكر.
كيف تتلاعب الهند والصين بأوروبا وتبيعها النفط الروسي ؟
كان الغرب يأمل بالاستمرار في استخدام عصا العقوبات ضد أولئك الذين يعملون على التأمين على الشحنات النفطية الروسية، مراهناً على أن ازدياد تكاليف تمويل سفن الشحن، قد يشكل عائقاً أمام موسكو أمام تصدير نفطها، لكن الحسومات الشديدة التي تضعها روسيا، جعلت نفطها ليس مرغوباً فقط، بل موضع منافسة لدرجة أن الصين والهند والمشترين الآسيويين الآخرين يتهافتون على شرائه.
بمجرد تكرير النفط وتحويله إلى ديزل، لا يمكن لأحد أن يميز ما إذا كانت المنتجات التي يتم إرسالها إلى أوروبا وأماكن أخرى تأتي من الخام الروسي. من هنا يقدر JP Morgan أن روسيا يمكنها العثور على ممولين لنقل نحو 3 ملايين برميل يوميًا من النفط إلى آسيا، حيث ستتولى شركات التأمين الهندية والصينية التي تديرها الدولة، قضية التأمين. في المحصلة، بات واضحاً ان روسيا تمكنت من افراع العقوبات المفروضة عليها من مضمونها، خصوصاً على مستوى النفط وجعلتها عديمة الفاعلية، بل انها اعادت توجيهها نحو مهندسيها الغربيين، حيث بدأوا يلمسون نقمة مواطنيهم وتعالي صرخاتهم يوماً بعد يوم، جراء الغلاء الفاحش الذي يضرب أمريكا وأوروبا هذه الأيام، ويطال مختلف السلع الاستراتيجية والحيوية ومن ضمنها الطاقة والمواد الغذائية.