كنوز ميديا / تقارير / اقتصاد
وضع ارتفاع الدولار العملات الآسيوية على طريق أسوأ فصولها أداءً منذ الأزمة المالية عام 1997 وخلق معضلة لمحافظي البنوك المركزية.
صناع السياسة النقدية، الذين يصارعون بالفعل أسرع معدل للتضخم منذ عقود، يواجهون خيارات صعبة: فإما رفع تكاليف الاقتراض بقوة للدفاع عن العملات والمخاطرة بإلحاق الضرر بالنمو، أو إنفاق الاحتياطيات التي استغرق بناؤها سنوات للتدخل في أسواق الصرف الأجنبي، أو ببساطة الابتعاد والسماح للسوق بأن تأخذ مسارها.
ومن المتوقع أن ينخفض “مؤشر بلومبرغ جيه بي مورغان آسيا دولار” (Bloomberg JPMorgan Asia Dollar Index) بنسبة 4.5% في ربع السنة الحالي، وهو أكبر انخفاض منذ الأزمة التي ضربت العملات قبل 25 عاماً تقريباً. حيث تخلفت البنوك المركزية في المنطقة عن نظيراتها في الأسواق الناشئة في رفع أسعار الفائدة بسبب سعيها إلى تعزيز التعافي من جائحة كورونا، كما أن استمرار السياسة النقدية الاحتوائية يثقل على عملاتها في ظل مضي الاحتياطي الفيدرالي قدماً في رفع أسعار الفائدة بمعدلات كبيرة.
وقالت يوجينيا فيكتورينو، رئيسة استراتيجية آسيا في “سكاندينافيسكا إنسكيلدا بانكين” (Skandinaviska Enskilda Banken) في سنغافورة، إن “البنوك المركزية تُساق إلى موقف صعب يتطلب منها تشديد السياسة النقدية رغم أن التعافي من الجائحة لم يكتمل بعد، ورغم شبح الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة في المستقبل القريب. وما يُعقّد الصورة هي قوة الدولار، التي تعزز الضغوط لمزيد من تشدد السياسة النقدية حيث يؤدي ضعف العملات إلى تفاقم مشكلة التضخم المستورد”.
ومن المتوقع أن يُسجّل وون كوريا الجنوبية أكبر انخفاض شهري له منذ 11 عاماً، بينما يتجه البيزو الفلبيني إلى أسوأ ربع له منذ 14 عاماً. وفي الهند، يقاتل البنك المركزي على عدة جبهات لإبطاء تراجع الروبية إلى مستويات قياسية جديدة.
في غضون ذلك، فقد الين الياباني، الذي ليس جزءاً من المؤشر، 11% من قيمته مقابل الدولار منذ نهاية مارس وسط تزايد الفارق في العائد مع الولايات المتحدة حيث يتمسك بنك اليابان بسياسته النقدية فائقة التيسير.
وقد تُضطر البنوك المركزية في آسيا إلى تغيير مسارها مع ارتفاع أسعار المستهلكين بشكل مطرد وزيادة المخاوف بشأن التضخم المستورد بسبب ضعف قيمة العملة. وقد صرح البنك المركزي الفلبيني بأنه سيدرس زيادة أسعار الفائدة بمعدلات أكبر بعد تحريكها مرتين بمقدار ربع نقطة، بينما أبقى بنك كوريا الباب مفتوحاً أمام زيادة أكبر من المعتاد في يوليو.
وقال إيدي تشيونغ، كبير محللي الأسواق الناشئة في بنك “كريدي أغريكول” في هونغ كونغ: “يثبت التضخم أنه مستمر وقد يتعين على البنوك المركزية أن تتحرك قبل الموعد المحدد وأن تكون أكثر تشدداً مما كان متوقعاً؛ وما يزال النمو قائماً في الوقت الحالي وهذا يمنحها فسحة للتركيز على مكافحة التضخم”.
وكتب الاقتصاديون في “مورغان ستانلي” بقيادة ديي تان في تقرير نُشر قبل يومين أن انخفاض قيمة العملة قد يتسبّب في تشديد البنوك المركزية الإقليمية سياستها “في حال عزز التضخم الناتج عن زيادة الواردات بالإضافة إلى التضخم الناتج عن جانب العرض الذي شهدناه بالفعل”. ويتوقع المحللون استمرار رفع أسعار الفائدة على خلفية توقعات ارتفاع التضخم.
وسحبت البنوك المركزية بالفعل مليارات الدولارات من احتياطياتها من العملات الأجنبية لإبطاء الانخفاض في عملاتها. وتراجعت أموال الاحتياطي في تايلندا وإندونيسيا إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2020، حيث تعهد المسؤولون بكبح التقلبات في عملاتهم، بينما امتنعوا حتى الآن عن رفع أسعار الفائدة.
وإن المنطقة حاليا في وضع أقوى بكثير مما كانت عليه في عام 1997، وعام 2013 خلال ردود فعل المستثمرين على إعلان البنك المركزي تقليص برامج شراء السندات في المستقبل، فهي الآن تراكم تريليونات من احتياطي النقد الأجنبي، حيث جمعت السلطات الهندية مخزوناً يقارب 600 مليار دولار، في حين تجاوز مخزون كوريا الجنوبية 400 مليار دولار.
إلا أن الأسوأ لم يأت بعد بالنسبة للعملات الآسيوية، حيث أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى زيادة كبيرة أخرى لأسعار الفائدة في يوليو، التي يتوقع المتعاملون زيادة قدرها 75 نقطة أساس. وقد حذر “غولدمان ساكس غروب” من أن العملات ذات العوائد المرتفعة، مثل الروبية الهندية والروبية الإندونيسية، قد تتدهور وسط تدهور الموازين المالية الخارجية، ومع تشديد الاحتياطي الفيدرالي لسياسته بما يُحفّز الشعور بالابتعاد عن المخاطرة.
ومن المؤكد أنه حتى مع انخفاض العملات، “من غير المرجح أن تقترب البنوك المركزية في جميع أنحاء المنطقة من مجاراة رفع أسعار الفائدة الذي ينفذه الاحتياطي الفيدرالي”، وذلك بحسب ما كتبه ميغيل تشانكو، كبير اقتصاديي منطقة آسيا الناشئة في شركة “بانثيون ماكروإيكونوميكس” (Pantheon Macroeconomics)، في تقرير صدر قبل يومين حيث قال: “الاحتياطيات ما تزال وفيرة، ومن المرجح أن يستمر استخدامها للتخفيف من آثار تقلبات العملة المفرطة”.