بقلم// مهند الساعدي
انضم محمد هادي السبيتي الى مشروع تأسيس الدعوة ( ففرحنا به كما فرح المسلمون الأوائل بدخول الحمزة في الاسلام ) يقول داعية صديق له .
وهو في زنزانته كان أستاذاً للإخوان وللتحرير وللدعاة والشيوعيين وكان اذا تكلم انصتنا ! يقول عنه شيوعي من تكريت كان معه في السجن !
(ليس عندي وقت فراغ ..انا منقطع الى الله ) نقل عنه سجين إسلامي مفرج عنه جواباً على سؤال وجه له : كيف تقضي وقت فراغك في السجن ؟
اني لأعجب كيف يمضي الداعية عشر سنوات في الدعوة ثم يحتاج الى من يقوده ! الداعية قائد في الامة ) قالها السبيتي لاحد الدعاة .
اين ما حل السبيتي اخذ معه لقب الاستاذ ، وكان ابو حسن مثل يوسف عليه السلام لم يضره انه ألقي في البئر او استعبد او سجن ، فالحر حر أينما يكون !
تاثر بالفكر الحزبي الحركي من بعض أساتذته العرب في كلية الهندسة ، وقبلها كان يقراً كثيراً ، وكان يفكر في اوضاع واحوال الامة ، في وقت مبكّر جدا من حياته .
يمتلك عقلاً تنظيمياً فاق عقل ( لينين ) ، وقدرة على التنظير وقراءة الواقع لا تترك حدثاً الا رصدته ولا ظاهرة الا حللتها ، وسيبقى فكر الدعوة مديناً له .
كان اسلامياً أممياً يعمل وينظر وينظم للاسلام على انه أمة واحدة ، وكان لا يضيق بهوية وطنية ، ولا انتماء مذهبي ، وكان تفكيره متقدماً على عصره .
كان كاتباً ملتزماً لو قدر له ان يعمل في اجواء مفتوحة بعيداً عن السرية والمطاردة والعمل في الظل لابدع لنا أضعاف ما وصلنا منه . وكان خطيباً مفوها ينطق بالاسلام ، ويلهج بالدعوة .
كان بيان التفاهم ارصن واشمل وأكمل وثيقة سياسية عراقية كتبت خلال خمسين سنة قبل وبعد شهادته رضوان الله عليه .
يظلمه كثيرا من يعتقد انه كان جزءاً من انشقاق حدث في الدعوة وقد نصح الدعاة قبل مؤتمر القواعد بقوله ( لا تعارضوا الانتخابات ) اما مقولة ( ان القائد يبقى قائداً وان لم تأت به الانتخابات ) فقد كان يقصد فيها معنى اشمل من موقفه من عقد الموتمر والانتخابات .
كان شيعياً عقيدةً وروحاً وتاريخاً وتعبداً وسلالةً من امه وأبيه ، وكان دعوته للتسامح المذهبي وايمانه بفكرة الوحدة الاسلامية جزءاً من تكوينه الفكري الاسلامي العالمي وشعوره العالي بمفهوم الامة الاسلامية .
كان ذَا وعي عالٍ يطلُ به على الاحداث من مكان شاهق فيرى ما لا يراه غيره ، ويتمتع بحسن تاريخي وذوق مرحلي متميز ، لذلك مال في رأيه الى ان مواجهة الانظمة الثورية الحزبية في مراحل صعودها خطأ كبيراً، وعلينا ان نباغتها في مرحلة انحدار خطها البياني في السلطة .
كان عصامياً ، صبوراً ، رابط الجأش ، يكتب ،وينظر ويخطط ،ولا يستبق الإحداث ، ولا تستخفه الشعارات البراقة .
كان رحمه الله رائد التحليل السياسي والتخطيط الستراتيجي في الحركة الاسلامية العراقية دون منازع وكان لا يبني موقفاً من الأحداث الا اعتماداً على تحليل عميق .
كان السيد الشهيد الصدر يقول : في الامور السياسية احب ان استمع لرأي ابي حسن .
شخصيته كان شخصية شهيد ، وكانت الشهادة تليق به ، وكان من صنف خاص من الدعاة التي يمكن ان نجمل لها الوصف : يقول كلمته ويمضي …
القيادي الوحيد في حزب الدعوة الذي احتفظ به الطاغية صدام تسع سنوات في الزنزانه ولم بعدمه الا بعد انتهاء الحرب مع ايران !!
ماذا عن قبره وتراثه وذكراه السنوية ؟
وماذا عن مراجعة بصمته المميزة في الدعوة التي تعتبر خطوة وفاء له رضوان الله عليه ؟
سلام الله عليك يا ابا حسن ..
كنت غصناً ليّناً ، كثيف الاوراق اخضرها ، استجمعت الايمان بالاسلام فجمعت حولك المؤمنين به ، فكنت كَزَرْع اخرج شطئه ، آزرتهم فاستغلظوا بك ، فاستويت على الساق واستووا ، وناديت بما كنت اعمل الناس بِه ، ونصحت ، وربيت ، وأثرت وعياً ، وخلفت قراطيس كتبت بالحبر وختمت بالدم .
سلام عليك ابا حسن في يومك ..
صافياً ، مخلصاً ، متفانياً ، ندياً ، ملعماً ، طيب الذكر في العالمين .