نقد وتقويم الآخر ، نظرة في المشروعية والإسلوب / ( 2 – 3 )

بقلم / حسن عطوان

⏺ أما بالنسبة للسؤال الثاني :

 [ وهو أنَّه هل يحق للإنسان أنْ يواجه الآخر بعيوبه وزلاته ؟؟

وفي أية حالة من الحالات ؟؟ ]

والجواب هنا يختلف بحسب إختلاف الدوافع التي تدفع الإنسان الى هذه المواجهة .

◀️ فقد يكون الدافع هو النصح والتوجيه والإرشاد من أجل أنْ يصحح هذا الإنسان مسيرته وأخطاءه .

◀️ وقد يكون الدافع هو التعيير والتشويه والإنتقاص والإهانة .

ففي الحالة الاولى :

نجد أنَّ الإسلام يشجّع المؤمن بل قد يوجب عليه نصيحة الآخر سراً ليأخذ بيده نحو الخير والصلاح ، بل اعتبرت الشريعة ذلك حقاً للمؤمن على المؤمن .

فالأحاديث الشريفة جعلت أنَّ ( من حق المؤمن على المؤمن أنْ يديم نصيحته ) ، بل أعتبرت مضامين عديدة من الروايات أنَّ ( المؤمن مرآة المؤمن ودليله وعينه التي يبصر بها ) .

فكما أنَّ مهمة المرآة كشف العيوب الظاهرية لشكل الإنسان ليصلحها دون أنْ تترك أثراً سيئاً ، فكذلك المؤمن هو مرآة أخيه ينصحه بالسر وينبهه على أخطاءه السلوكية ليخرج للعلن وهو بأفضل مضمون ، وهو عينه التي تدله على الطريق السليم .

بل نجد أنَّ الإسلام يدعو الإنسان الذي وُجٍهت له النصيحة بأنْ يبادل الناصح الإمتنان .

ففي الحديث الشريف :

( رحم الله من أهدى إليّ عيوبي ) .

ورحم الله ذلك الشاعر الذي قال :

” أنت عيني وليس من حق عيني غض أجفانها على الأقذاء ” .

◀️ أمّا الحالة الثانية :

وهي الحالة التي يوجّه فيها إنسانٌ نقداً لآخر بقصد التحقير والإنتقاص ، فإنَّ الإسلام يرفض ذلك رفضاً قاطعاً .

ومرت الإشارة الى ذلك في الحديث المتقدم عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) .

◀️ بل جاء في حديث :

( من عيّر مؤمناً بذنب لم يمت حتى يرتكبه ) ( 1 ) .

⏺ أما بالنسبة للسؤال الثالث :

[ وهو أنّه هل يجوز لنا أنْ نتحدث عن الناس في غيابهم بما نعرفه عنهم من عيوب ونواقص ؟؟ ] :

وهذا السؤال تكفلت الإجابة عنه كل البحوث التي تكلمت في الغيبة ومساوئها وعواقبها الجسيمة في تفكيك عرى المجتمع والإضرار بلحمته .

ولست هنا بصدد التفصيل في ذلك ،

إنّما أحاول الإشارة فقط الى الرفض القاطع من قبل الإسلام لمثل هذا الإسلوب المشين .

يقول تعالى :

( وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) [ الحجرات : ١٢ ] .

تلك هي الصورة !

أنْ يموت أخوك وتقف أنت أمام جثته ، والسكين في يدك فتقطع جزءاً من هنا وجزءاً من هناك فتأكله !

فهل هناك أبشع من ذلك ؟!

ربما لو كان الآخر موجوداً لما تجرأت على الحديث عنه بنحو مسيء .

 الآخر غير موجود فتتجرأ على تقطيع أوصاله كما لو أنّك تقطع بأوصاله وهو ميت أمامك !

وفي الحديث عن الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال :

( يا أبا ذر ، إياك والغيبة ، فإنَّ الغيبة أشد من الزنى ، قلت : ولِمَ ذلك يارسول الله ؟

قال : لأنَّ الرجل يزني فيتوب الى الله ، والغيبة لاتُغفر حتى يغفرها صاحبها ) .

وعنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أيضاً أنّه قال :

( إياكم والغيبة ، قيل : وما الغيبة يارسول الله ؟ قال : ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أنْ تذكر أخاك بما يكره ، قيل : وإنْ كان فيه ؟ قال : وإنْ كان فيه ، وإنْ لم يكن فيه فقد بهته ) .

وفي حديث آخر أو صيغة أخرى عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ايضاً :

( إعلمْ أنّك إذا ذكرته بما هو فيه فقد أغتبته ، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته ) .

[ له تتمة ]

( 1 ) الكليني ، الشيخ محمد بن يعقوب ، ( ت : 329 هج ) ، الكافي ، ج ٢ ، باب التعيير ، ح 3 ، ص 356 ، الناشر : دار الكتب الاسلامية ، طهران .

************

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى