من ظواهر المرحلة، التَجاسُر على مقام العلماء..

بقلم// كوثر العزاوي

قال رسول الله “صلى الله عليه وآله: “علماءُ أمّتي كأنبياء بني إسرائيل” كما روي عنه “صلى الله عليه وآله”: “العلماء أمناء الله على خلقه”.
قد يصاب بالذهول مَن يروم التتبّع -بتجرد- لبعض المقامات السامية للعلماء من خلال مازخرت بها الروايات التي تحصي مناقبهم، فضلًا عما ذكَرَتهُ من عظيم منزلتهم لدى الله”عزَّ وجلّ”، فقد يرى عجبًا!، ولايتردد بالقول وبضرس قاطع، أنّه ما من منزلة أرفع عند الله “عزوجل” بعد مرتبة الأنبياء والأئمة “عليهم السلام” سوى منزلة العلماء، العاملين في سبيل الله لردّ الشبهات، والجهاد لإعلاء راية الإسلام، وتبيان أحكامه، ورفع كلمته، وحفظ شريعة الله من التشويه والتحريف، لأنّهم الهداة إلى الله، الداعين الى الكمال الإنساني الذي يرقى بالفرد إلى مراتب الحِظوة والجلال، كما لايخفى على دارس بسيط، ماللعلماء من الرفعة والفضل عند الله”عزوجل” ومَن قال فيهم: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ المجادلة ١١.
ومن هنا صار “العلماء وَرَثة الأنبياء” كما ورد عن الإمام الصادق “عليه السلام” وذلك من حيث المقام المشترك معهم في العقيدة والهدف، ومن وحدة الدور والمَهمة، كذلك هم أقرب الناس من درجة الأنبياء لِما تعرّضوا له مثلما تعرّض له الأنبياء “عليهم السلام” من قمع فكريّ وجسديّ بهدف تعطيل حركة أهدافهم الإلهية، وعرقلة زحف أفكارهم المستنيرة من نور الإيمان إلى قلوب الناس، خشية أن يزلزل تأثيرها عروش المستكبرين، وتنتزع منهم دنياهم وجاههم وسلطانهم الذي يشكّل أهم غاياتهم في الحياة، ومن هذا المنطلق، فإنّ مقالي هذا يتمحور حول مانشاهده اليوم من تجاسرٍ مبطّن، واجتراءٍ مقنّع على مقام العلماء من قِبل أولئك الذين أعمى التعصّب بصيرتهم، وأمات الجهل قلوبهم حتى أصبحت كالحجارة أو أشدّ قسوة، لما يجري على ألسنتهم من كلام فحش بما تضيق له نفس الغيور، بذريعة النقد أو حرية التعبير، أو كون الكلام لايمسّ المعصوم! ولَعمري لو تريَّثوا حتى يعلموا ماجاء على ألسنة آل محمد “عليهم السلام”بحقّ العلماء الغرباء في زماننا المقيت هذا لستَحيَوا من الله “عزوجل”، أو ليتأمّلوا ولو مثالًا واحدًا، كما جاء في الإحتجاج، تفسير الإمام العسكري: قال محمد بن علي الجواد عليهما السلام :”من تكفل بأيتام آل محمد المنقطعين عن إمامهم المتحيرين في جهلهم، الأُسَرَاء في أيدي شياطينهم، وفي أيدي النواصب من أعدائنا فاستَنقَذَهُم منهم، وأخْرَجَهُم من حَيْرَتِهم، وقَهَرَ الشياطين برَدِّ وَساوسِهم، وقَهَر الناصبين بحجج ربهم ودليل أئمتهم، ليُفَضَّلون عند الله تعالى على العباد بأفضل المواقع بأكثرِ من فضل السماء على الأرض والعرش والكرسي، والحجب على السماء، وفَضْلَهم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء”، وفي نفس الحديث في الإحتجاج، تفسير الإمام العسكري: بالإسناد عن أبي محمد عليه السلام قال: قال علي بن محمد عليهما السلام:{ لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا “عليه السلام” من العلماء الدّاعين إليه، والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومرَدَتهِ، ومن فخاخ النواصب، لما بقيَ أحد إلّا ارتدّ عن دين الله، ولكنهم الذين يُمسِكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة، كما يمسك صاحب السفينة سكانها أولئك هم الأفضلون عند الله “عز وجل”} انتهى.
فما عساي القول في زمن يعيش فيه المرتبطون بدين الله تعالى غربةً حقيقية سيما علماء الأمة وفقهائها المتقلّدون أمانة الله، وثمة مَن يتّهم على الظن دون حياء من رسول الله، فالمعايير الأخلاقية نقيض معايير الإسلام، للحدّ الذي بات عوام الناس يحترم بعضهم بعضا، بينما تراهم يتطاولون على مَن هم في مقام النيابة عن المعصوم، هكذا أضحت قواعد المعاملات القيمية مخالفة للضوابط الشرعية، إنها والله غربة العالِم بين الجهّال، وغربة أهل المعرفة وسط الحمقى، وغربة أهل الاختصاص والكفاءات وسط المتملقين وأتباع الهوى والمزاج، فطوبى للغرباء.

١٠-ذوالقعدة-١٤٤٥هجري
١٨-مايس- ٢٠٢٤م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى