بقلم// إنتصار الماهود
” حبوبة ما تحولين يمنا، اليوم أسويلج طابك وسميجة، لو تردين أطبخ لج مسموطة، عليچ أبو فاضل تعالي وياي وهناك نسولف كل السوالف، عن الهور وشتردين أسألي شلون عبرنا الضيم كله وبعدنا عدلين “.
بتلك الكلمات الدافئة، رحبت بي الحبوبة أم علي، كما تحب أن يسميها الجميع حتى الأغراب، تلك النخلة الجنوبية التي كان لي شرف رؤيتها في أحد المحافل في مدينتي، هي لا تختلف عن سليلاتها ملكات سومر وحاكمات الجنوب، والتي اقارنها معهن، فقد إمتازت الحضارة السومرية، ببروز نساء حكمن الأرض قويات، برزت الملكة بو آبي أو شبعاد، كما نعرفها نحن زوجة الملك السومري( آبار كي أحد)، والتي حكمت مدينة أور السومرية عام 2500 ق. م، وتميز حكمها بالقوة والإقتدار وهي أول من أسس لقواعد التعامل والسلوك الملكي، أما عشتار فهي قصة أخرى، هي ملكة وآلهة إبنة اله القمر سين و أمها ننكال، هي آلهة الجمال والحرب والعدالة والخصوبة والرغبة، عبدها السومريون ثم تلاهم الأكاديون والبابليون والآشوريون، وهذا ما يعطينا فكرة واضحة عن مكانة المرأة وأهميتها، في الحضارات العراقية القديمة، أما الملكة كوبابا أو كو باغ باللغة السومرية فهي قصة أخرى، ملكة عظيمة حكمت منفردة، وأول من أطلق لقب (لوغال)، عليها أي الحاكم المطلق في فترة سلالة كيش الأولى وقيل الرابعة، وهم أول من سن القوانين وشرعها، وضمن الحقوق الإجتماعية والقانونية، وميراث المرأة وبذلك تفوق السومريون على باقي الحضارات.
وأنا أسترجع تلك المعلومات بالنظر لها، عرفت من أين جاءت هذه الشروگية بالقوة والهيبة، تجسدت قوة شبعاد وجمال عشتار وحكمة كوبابا فيها.
جلست تروي لي قصتها وقصة جيل كامل من النساء الجنوبيات، اللواتي عانين من حرب صدام العبثية وبطشه بهم حتى سقوطه، قصة مرتبطة بأخرى هي تتحدث وأنا أستمع لها، وجه أسمر دافيء زحفت ببطء وقسوة تجاعيد تركتها سنون الحرب والحصار، توميء لي بيدين تزينها (دگات) جميلة، لا نرى مثيلها في وقتنا هذا، تتزين بيمينها خاتم بشذرة رضوية هدية من ولدها الشهيد، ترتدي الأسود من الرأس حتى قدميها تضحك وتقول: ” صار زينا هذا حبوبة آنه وكل أمهات الشهداء “، تلك الهيبة المشوبة بالحزن العميق مثلها مثل كل نساء الجنوب، تتزين بالسواد و تشجو بالنعاوي، التي ترافقها ذرف الدموع على الأحبة.
تحدثت عن حياتها في الأهوار: ” حبوبة جنا عايشين بخير وقانعين، وعندي وليدات وبنات ونعمة، صار عندي علي و سكينة وفطيم وحامل بمحمد، وصارت حرب أيران، ومنها بدا ضيمنا، ساعة يحرك الهور الملعون وساعة ينشف المي علينا، وساعة جلاب الحزب يهدهم بحجة أكو فرارية وبحجة إحنا ضد الحكم، وأشكال التهم والفرار الما يتطوع للحرب معناها خاين و ينعدم يحبوبة، ساعة السودة الشفناه بيها، ناس هجت لإيران وناس هجت للولاية، لأن شح السمج وماكو حلال الناس ترعاه شفنا الموت علما خلصت الحرب، أنوب طب إلنا للكويت تريك هناك، وراحت وليداتنا بريوگه، وراح عليوي حبوبة حتى بعدني ما فرحت بيه شبيب توه، إنوب حصار وضيم والناس حارت بزمانها، وين تنطي وجهها هو شبعان بالخير واحنا متنا جوع“.
إسترسلت بالكلام عن المقابر الجماعية، التي نكبتها بأخيها وإبن أخيها وكيف ماتت والدتها حزنا عليهم، لإنها لم تعثر لهم على جثامين تدفنها، فقط مجرد عظام إكتشفوها بنكرة السلمان بعد سقوط الطاغية.
أي شيطان ذلك الذي سلط على رقاب الجنوبيين، ليعاقب أبناء القصب والطين والماء بهذه العقوبة.
أكثر من 3 ساعات ونحن نتحدث عن معاناة نساء الأهوار، ( أصلا بيئة الأهوار قاسية وصعبة، وتحتاج قوة بدنية ونفسية بوجود رجل، كيف لو كانت الحياة دون رجال؟! ) ورغم هذا تراهن صابرات شديدات، أخذن دور الأب والأم في غياب الزوج، و الأب والأخ فحياتهن لم تتوقف.
أخبرتني الحبوبة إن الوضع الآن لم يتغير كثيرا عما كان سابقا، فالأهوار لا تزال تعاني من الإهمال وعدم الإهتمام، بأوضاع سكانها الذين عانوا من موجات الجفاف و شح المياه، التي أدت الى هجرة ونزوح السكان الى المدن، فالصيد لم يعد كما كان ولا رعي الحيوانات خاصة الجاموس، الذي يعتمد عليه سكان الأهوار بصورة كبيرة مع صيد السمك، كذلك لعب التطور التكنولوجي دورا كبيرا، في عزوف الشباب بالبقاء في بيئتهم الأهوارية، فهم صاروا يميلون للعيش السهل نوعا ما، ويفضلون البقاء في البيئة الحضرية، وهذا برأيي سيتسبب بإفراغ البيئة الأهوارية من اهم عنصر فيها (الشباب)، وتدريجيا سيهجرها السكان بشكل كلي، وهو ما يؤدي الى إختلال ديموغرافي في توزيع السكان في جنوب العراق.
تقول حبوبتي الشروكية أم علي: ” وحگ علي لو بيدي وبزر بزري بيه حظ، ولا أعوفن الهور وأرجع ليه أعيش وما أطلع منه الا للنجف، أجاور أبو الحسنين فدوة لاسمه، هو أكو أحلا من الهور حبوبة بس شنسوي، ما بيدنا حل بس رحمة الله“ حملتني أمانة والأمانة ثقيلة أبت أن تحملها الجبال، وحملها الإنسان رسالتها لكم ولكل من يقرأ: ” هالله هالله بالأهوار وناسها ترة طيبين وما يوم إرتاحوا،جابوها ضيم بضيم، يستاهلون الواحد يتعب الهم بعد بيتي إنتم “
وختام الكلام رسالتها والسلام.