كنوز ميديا / دولي
لم يقتصر دور المقاومة على رجال فلسطين فقط، بل امتد ذلك الى جميع شرائح ومكونات البلد، التي رفضت ان يدنّس الاحتلال الصهيوني، أرضها وقاومت وقدمت العديد من التضحيات، في سبيل طرد الوجود الصهيوني.
وكتب الصحفي يوسف الشايب في مقال له نُشر عام 1988 بعنوان “البدايات المجهولة”، أن مسيرة نضال المرأة الفلسطينية بدأت عام 1929، وهو عام اندلاع انتفاضة البراق، وفي السنة نفسها، أُسس “اتحاد العاصمة النسائي في القدس”، وكان هدفه الأساسي مناهضة الانتداب البريطاني والاستيطان الصهيوني.
وفي عام 1929 أيضا، أسس الاتحاد لجنة للإسعافات الأولية، فبدأت نشاطها الميداني بتقديم الخدمات للمقاتلين في ميدان المعارك التي اندلعت بين الفلسطينيين واليهود آنذاك، ويقول الصحفي الشايب، إن بعض عناصر “اتحاد العاصمة النسائي في القدس” شارك في النضال المسلح في تلك الفترة”.
وفي دراسة للباحثة حيفاء عبد الهادي بعنوان “أدوار المرأة الفلسطينية في الخمسينيات حتى أواسط الستينيات.. المساهمة السياسية للمرأة الفلسطينية”، تذهب الباحثة إلى أنه خلال فترة ما قبل النكبة، بدأت النساء الفلسطينيات تعزيز وضعيتهن في المجتمع، من خلال النشاط في الجمعيات، وذلك ما جعل للمرأة الفلسطينية دوراً في الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936.
فقد شاركن بإخفاء المقاومين ومراقبة الطرق التي يمر بها الجنود البريطانيون، وهرّبن الأسرى الفلسطينيين لدى سلطات الانتداب البريطاني، وكنّ غالبا ما يرافقن الشيخ عز الدين القسام ومقاتليه، وأسندت لهن مهام تزويد المقاومين بالسلاح والمراقبة. لقد كن مثل ظل يسير بجانب الشيخ عز الدين القسام، لكن الحقيقة أنهن كنّ عنصر إسناد قوياً لعمليات القسام في تلك الفترة.
ولم يقتصر نشاطهن المسلح على العمل المنظم، بل كان بمثابة الغريزة الربانية للدفاع عن الأرض والعرض، وسيظل التاريخ يذكر وقوف حلوة زيدان -وهي امرأة ريفية من دير ياسين- أمام عصابتي “الأرغون” و”شتيرن” اللتين ارتكبتا مجزرة في قريتها في 9 نيسان 1948، وقتلتا أمام عينيها ابنها محمد الحاج عايش، ثم استُشهد زوجها أيضا، وقد أطلقت حلوة زيدان الزغاريد، ثم التقطت بندقية زوجها الشهيد، وأطلقت الرصاص على جنود العصابة، وقتلت ستة منهم قبل أن تُستشهد.
شهدت فترة الخمسينيات والستينيات، تغلغلا أكبر للمرأة الفلسطينية في النضال الفلسطيني المسلح، وهو ما أكدته سميرة أبو غزالة في شهادتها التي تضمنتها دراسة “أدوار المرأة الفلسطينية في الخمسينيات حتى أواسط الستينيات، المساهمة السياسية للمرأة الفلسطينية”.
تروي سميرة أنها ونساء فلسطينيات أخريات طالبت الحكومةَ الأردنية في 1956 بتمكينهن من التدرب على السلاح، وتقول: “كان الاعتداء على مصر سنة 1956، وكنت أشتغل في المدرسة المأمونية الثانوية، وحاولنا أن ننشئ جمعية سيدات في القدس لها أهداف سياسية، وطلبت تدريب نحو 300 فتاة على السلاح، ودُعيت إلى مؤتمر كبير في سينما الحمراء، ووجهت دعوة للتطوع، ثم طالبت بتجنيدهن وتدريبهن، واستجابت الحكومة الأردنية، ودربتهن على السلاح، كان ذلك خلال العدوان الثلاثي على مصر”.
قبل النكسة وبعدها، ألحت طالبات فلسطينيات على طلب تلقيهن تدريبات على استخدام السلاح، وتروي عواطف عبد الهادي وهي أخت تودد عبد الهادي، أول أسيرة فلسطينية مبعدة أنها في منتصف الستينيات تلقت مع فتيات أخريات تدريباً على السلاح داخل مدارسهن بعد الدوام، وأشرف جندي على تدريبهن على استعمال الرشاشات والقنابل، ونالت المتدربات شهادات في نهاية التدريب، ولبسن زي التجنيد.
وفي تلك الفترة، تأسست منظمة التحرير الفلسطينية، وتوجهت لتدريب النساء والعمل المسلح ضمنها، وتروي بداية ذلك فاطمة محمد الخطيب وهي رئيسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية بمنظمة التحرير في شهادتها للباحثة حيفاء عبد الهادي، فتقول: “في الستينيات، حين بدأت منظمة التحرير الفلسطينية بالعمل بقيادة أحمد الشقيري، بدأ التدريب العسكري للفتيات صلبها، وكان أول نشاط لتدريب النساء على العمل المسلح صلب المنظمة”.
وتذهب الباحثة حيفاء عبد الهادي إلى أن الفتيات الفلسطينيات طالبن بالتجنيد في المقاومة المسلحة في تلك الحقبة، لكن الاستجابة لمطالبهن ظلت محدودة، بسبب ما وصفته باستهانة الرجال بقدرة المرأة على التدريب العسكري، وتصورهم أن دورها يقتصر على الدفاع عن النفس.
في المقابل يبرز الباحث بسام يوسف إبراهيم بنات دور النساء في دراسة له بعنوان “النساء الفلسطينيات والمقاومة”، فيقول: “مع أن التاريخ الفلسطيني للصراع مع “إسرائيل” سيطر عليه الرجال منذ زمن طويل، فقد كان هناك عدد من الشخصيات النسائية البارزة، غالبا ما يكنّ مقاتلات وناشطات، وأحيانًا سياسيات وقادة”.
وتدعى المرأة التي تعد أول مقاتلة فلسطينية فاطمة البرناوي، فقد زرعت في أكتوبر 1967 قنبلة بإحدى دور السينما في القدس، مما أدى إلى إصابة عشرات الإسرائيليين. وكانت تبلغ من العمر 28 عاما.