“كفيل زينب” مشروعٌ لا مَهمّة..

بقلم/ كوثر العزاوي

من جملة ماورد في قواميس ومعاجم اللغة العربية عن معنى “الكفيل” أنه ذلك الشخص الذي يأخذ على نفسه الوَفاء بِدَيْنٍ أو بالْتِزام مُعيَّن بالتَّضامُن مع شخص آخر، أو “هو كفيل لفُلان”وبمعنى آخر: هو الذي يلتزم ما ضَمِنه وتَكفَّل به، فهو كافِل، سيما بعد قطع الوعد فهو ضامن، وبهذا المعنى اقترنت صفة{ الكفيل} باسم أبي الفضل العباس”عليه السلام” بما تحدّث به التاريخ عن استيعاب صفة” كفيل” لجميع أبعاد شخصية ذلك الغيور المقدام ابن عليّ “عليه السلام” وأمّه ام البنين”رضوان الله عليها” وليس مجرد مَهمّة تقمّصها يوم الطف وحسب، بل لو تمثّل الوفاء والأخلاص في رجل لكان هو العباس بن علي”عليه السلام” لقد كان دنيا من الفضائل والمآثر، فما من صفة كريمة أو نزعة رفيعة إلاّ وهي من خصائصه وذاتياته التي هي عين فضائل أبيه وخصائصه، وحسبه عنوانًا لجميع القيم الرفيعة والمقامات المحمودة، ونحن إذ نشير الى أبرز وأرقى مصاديق هذه السّمات التي سطع بريقها على صعيد كربلاء، وفي الشدائد تجلّت البطولة المشحونة بالرجولة والوفاء، المفعمة بالغيرة والنخوة، فكان الكفيل هو “العباس” الذي لو كُتبت فيه أطنان الكتب لجفّ القلم ولا ينتهي الكلام عنه “عليه السلام” فمعناه يفصح عن سجاياه، إنه “كفيل زينب” وماأدراك مازينب! ومشروع كفالتها قرّره المعصوم كما
ورد في بعض النصوص، أن أمير المؤمنين “عليه السلام” قبيل شهادته جمع أولاده وأوصاهم بوصايا، من ضمنها ان يكون ابو الفضل العباس هو كافل أخته زينب، كما أنّ أبيها أمير المؤمنين “عليه السلام” أفصح لها مسبقًا عما ينتظرها في كربلاء ويوم عاشوراء، فبكت العقيلة على ما سيكون في ذاك الزمان، وأوضح لها مطمئنًا بأنها ستكون بكفالة صاحب الغيرة العباس”عليه السلام” والواقع إنّ القضية لا تحتاج الى نصّ يثبت ذلك، فان أهل بيت النبوة بكل ما فيهم هم أهل غيرة وحمية، ولايقاسون بأحدٍ من الناس، فحريّ بهم أن لا يسمحوا أن يصيب نسائهم وحريمهم أدنى مكروه، ولكن ثمّة عُلقة خاصة بين العباس والسيدة زينب “عليهما السلام” لن يستطيع التاريخ احتواء عمقها، فهي منذ طفولة العباس، جمعتهم أواصر الودّ الذي لايقاس بأحد! فما أن شبّ العباس”عليه السلام” وبلغ مبلغ الشباب، تكفّلها، وكان يلازمها كظلّها، والى يوم الطف هو خيمتها الأهيب والأجمل، إذ عاشت سنيّ عمرها مع هذ الأسد الضرغام يحميها ويحرسها، وهي تحنّ عليه حنين الأم الرؤوم، وهو يحبها محبة البارّ الغيور، فهذا العطاء من السيدة زينب وهذه البذرات التي كانت تبذرها بكل مشاعرها وحنانها وعطائها وحرصها، قد أثمرت وأينعت في روح مولانا أبي الفضل العباس”عليه السلام” فبان الوفاء حيّا نابضًا عند الشدة يوم الطف ليؤكد الواقع بإنّ مزيّة “الكفيل” قد تفرّد بها قمر بني هاشم يوم حميَ الوطيس، فأين المدركون اليوم لهذا الشرف الرفيع ليأخذوا الدرس والعبرة من أمثلة بيت العصمة، كي نرى صنع كربلاء وأثر أبطالها حماة الدين، ولكي نفهم الدرس الأهم من كربلاء، علينا أن ندرك أنّ العبّاس وزينب “عليهما السلام” هما مشروع إلهيّ قابل للتطبيق، ويستطيع أي مؤمن ومؤمنة يحذو حذوهما، لتؤتي كربلاء ثمارها في كل عصر بإذن ربها! أثرًا عمليًا تتقلّده الأجيال
وينهلوا من عطائهم وإيمانهم وبصيرتهم وفيضهم ونورهم، “العباس وزينب” قامات مصونة بالاسم الأعظم محمية بالبصيرة والتقوى، فهي -زينب- بلاشك مختارة لدورها في الطف بعد إعداد وتمحيص، ومع ذلك فقد كفّل أمير المؤمنين “عليه السلام” أخيها أبي الفضل العباس بها، ومن هنا كان فقْدُ العباس ليس أمرًا هينًا بالنسبة لمولاتنا “عليها السلام” في وقت هي بأمسّ الحاجة إليه! فهو ظلها الذي يرافقها ويرعاها، وهو صاحب الغيرة العلوية والهمّة الحسينية والحنان الفاطمي الزينبي، وكلها عُجنت في هذه الشخصية الإلهية، إنه الكافل وكفى!.

٨-محرم الحرام- ١٤٤٦هجري
١٥-تموز-٢٠٢٤ميلادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى