بقلم // كوثر العزاوي
إنّ من المفاهيم التي وردت في القرآن الكريم مفهوم “الإيمان بالغيب” كما في قوله تعالى:{ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} البقرة ٣
والواقع أنّ الإيمان بالغيب هو الحافز على ضبط المكلف حركته في الحياة وإدارة انفعالاته بشكل منتظم متوازن على ضوء ذلك الإيمان الذي يمثل المبدأ الذي لاينفصل عن العمل بالمسؤوليات والتکاليف، لذا فهو أفضل الأعمال في المجتمع الإلهي السائر نحو الله، كما هو النقطة الفاصلة الاولی بين المؤمنين بالأديان السماوية، وبين منكري الخالق والوحي والقيامة، ومن هنا كان الإيمان بالغيب أول سمة ذكرت للمتّقين في الآية الآنفة الذكر، وتضيف بعض الروايات المنقولة عن أهل البيت”عليهم السّلام” بأن معنى الغيب في الآية الكريمة قد فُسّر بالمهدي الموعود المنتظر “عجل الله فرجه”والذي نعتقد بحياته وخفائه عن الأنظار، وهذا لا ينافي ما ذكرناه بشأن معنی الغيب، لأن الروايات الواردة في تفسير الآيات تبين غالبا مصاديق خاصة دون أن تسمّيها، والروايات المذكورة بشأن تفسير معنی الغيب هي مَن تُدلّنا على المصاديق، فهي تستهدف في الواقع توسيع نطاق معنی الإيمان بالغيب، ليشمل الإيمان بالمهدي المنتظر “عليه السّلام” إذ اقتضت حكمة الله”عزوجل” أن يكون هذا الغيب مَحَكًّا حقيقيًا لإيمان الانسان وإبرازًا لمعدنه من خلال الايمان بالوجود الملكوتيّ للإمام المهديّ الغائب الحيّ”عجل الله فرجه” بكل ما فيه من خصائص غيبية متعالية عن المادة، والجدير بالإشارة، بأنّ المتّقون هم المؤمنون بعالم الغيب، العالَم الذي يعلو علی العِلم ويتجاوزه، وهؤلاء يختزنون في أعماقهم مفاهيم الإيمان والحب والاهتمام والتبجيل والتقديس والارتباط بذلك الوجود المقدّس والاستفادة من تأثيره المبارك الذي هو من سنخية عالم الغيب الوارد في القرآن، نحن لانُدركهُ بعقولنا البشرية المحدودة، ولكن لدينا من اليقين ما يجعل تلك الصورة الغيبية قريبة جدًا الى أذهاننا ونحن نلمس بركاته “عجل الله فرجه”في كثير من المناسبات ومحطات الحياة العملية والوجدانية، الفردية منها والاجتماعية، وأيضا على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني وما يتعلق بمصير الأمة، لذا فالمؤمن يتمتع باستقامة حركته طالما هو يعتني بحدود الله والوقوف عندها، وصون افعاله عن العبث والوقوع في المنزلقات، إيمانًا منه بأن كل عمل وحركة في الحياة، إنما هي نسخة أخرى طبق الأصل محفوظة في عالم الغيب، وفي ضوء هذا المبدأ يسير المؤمن وفق المعايير السماوية التي تتكفل ضبط مفاصل حياته بحرص وكثير من الألطاف، لذا تراه مستيقظًا بصيرًا، حريصًا على عاقبته، راضٍ بدينه غير مكرَه، والحمد لله على نعمة الإيمان والتقوى.
١-صفر- ١٤٤٦هجري
٦-آب-٢٠٢٤ميلادي