الدولة والسلطة – الكيان والوظيفة

بقلم / علي عنبر السعدي 

– بين محاولات الارضاء ،ومحاولات فرض القانون
– ماذا عن التجربة العراقية ؟
الحديث عن الدولة كوظيفة والدولة كأداة، سيختلف بالكثير من حيث الشكل،لكنهما يلتقيان في محاور أساسية، ذلك لأن التاريخ الحضاري بأكمله،لم يشهد في الواقع سوى نوعين من الدول هما :
1- الدّولة الإستبدادية: (الدولة / الأداة ) وهي أكثر أنواع الدول ظهوراً في التاريخ وأطولها ديمومة،وفيها تستطيع مجتمعية ما – قد تكون قبيلة أو اثنية أو جماعات تعتنق ديانة أو عقيدة واحدة – الخ، تكوين عناصر قوّة تستطيع بواسطتها إقامة دولة تُخضع جماعات أخرى إلى سيطرتها ،وبالتالي تمارس عليها سلطة مطلقة تستمر فيها طالما احتفظت بعناصر القهر والإكراه، لكنها قد تتمكن مع دوام ممارستها (للسيطرة والتحكّم) ان تدمج مكونات مختلفة وتضمّها من ثم إلى (أمّتها) لكن هذا النوع من الدولة في كلّ حال، يبقى عرضة للاضطراب وعدم الثبات، مادامت الدولة أداة تملّك وسيطرة،حيث تبتلع السلطة مقومات الدولة وتجيّرها لمصلحتها الخاصّة على حساب المقومين الآخرين (الأرض والشعب) .
2- الدولة التوافقية (دولة الوظيفة): ذلك النوع من الدولة لم تصله البشرية إلا قبل قرون قليلة خلت، وتحديداً فيما سمي بعصر النهضة،وقد جاء بعد مخاضات عسيرة تخللتها ثورات اجتماعية كبرى وحروب دينية طاحنة، خلخلت بتأثيراتها أساسات دولة الأداة التي استمرت آلاف السنين وكانت تمثل بدورها (توافقاً ) بين الطبقات الحاكمة و(طبقات ) الكهنة ورجال الدين.
لقد أنتجت تلك الثورات (توافقاً ) من نوع جديد تشكّل أساساً من الطبقات الصناعية الصاعدة بثرواتها وفلسفتها وثقافتها ومكتشفاتها العلمية المتطورة، وبين الطبقة العاملة الصاعدة كذلك بمهاراتها واتحاداتها ونقاباتها وحيويتها،وهكذا نشأت من ذلك (التوافق) دولة أطلق عليها دولة الرفاه والعقد الإجتماعي،وهو مايشير الى فلسفة جديدة للدولة، فكلمة (عقد) تعني توافقاً حرّاً بين أطراف تجد مصلحتها في قيام نظام يرعى مصالح المجتمع ، كلّ حسب قدراته وموقعه في الهرمية الاجتماعية، وليس هناك من عقد يحمل معنى آخر، وإلا تحوّل إلى إكراه تنتفي معه صفة العقد .
العراق يحاول بتجربته الجديدة ،أن يجعل من الدولة (وظيفة ) توافقية ، تسير وفق عقد دستوري ، لكن بوجود أطراف متضررة من عقد كهذا ،لأنها نشأت على عقيدة ( الحقّ في الهيمنة ) عند البعض ،والحق بالاستقلال عند الآخر ، لذا تبقى الدولة تراوح بين الارضاء والاسترضاء ،مما يفقدها وظيفتها من جهة ، ويربك عملها من جهة أخرى ، ولن تجد أمامها من خيارات سوى الحسم ،خاصة في المواقف الحساسة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى