الدكتور العراقي محمد طاهر الموسوي جراح الإنسانية في غزة

كاظم محمد الكعبي

وصلت الطفلة مريم إلى المستشفى وهي في حالة حرجة بعد إصابات بالغة في إحدى الغارات الصهيونية على بلدتها وسط غزة حيث اصيبت في المعدة، إضافة إلى بتر يدها تحت أنقاض منزلها المدمر. وسط الألم والفوضى، فاجأ الطبيب والدها بسؤال غير متوقع: “أين يدها؟” لم يكن الأب يتوقع هذا السؤال، لكنه أدرك أن الطبيب أمامه لا يرى في البتر نهاية، بل فرصة للإنقاذ.
بتوجيه من الدكتور محمد طاهر الموسوي، بدأ البحث وسط الأنقاض حتى عُثر على اليد المبتورة، فأُحضرت إليه على الفور. وبمهارة استثنائية وخبرة في جراحة الصدمات والأعصاب الطرفية، أجرى الطبيب عملية دقيقة ومعقدة لإعادة اليد إلى جسد الطفلة، في الوقت الذي يقوم جراح اخر بمعالجة إصابة المعدة.
بعد ساعات من الجراحة، استيقظت مريم، ونظرت إلى يدها محاولةً تحريك أصابعها، وكأنها تستعيد جزءًا مما فقدته. لم تكن هذه اللحظة مجرد نجاح طبي، بل كانت لحظة امل وحياة جديدة كتبت لمريم على يد هذا الطبيب العراقي.

رحلة العطاء في غزة
الدكتور محمد طاهر كامل أبو رغيف الموسوي، طبيب عراقي-بريطاني، من مواليد النجف الأشرف، حيث نشأ في أسرة نجفية. بعد تخرجه في كلية الطب، أكمل تخصصه في جراحة الصدمات والأعصاب الطرفية والعظام في بريطانيا، حيث يعمل استشاريًا في هذا المجال.
قبل عام، تطوع ضمن فريق طبي أوروبي في قطاع غزة، وعمل في مستشفى غزة الأوروبي بجنوب القطاع، مقدمًا خدمات جراحية مجانية للجرحى والمصابين. أجرى خلال فترة تطوعه أكثر من 290 عملية جراحية، وساعد أكثر من 1100 مريض، مقدمًا لهم الرعاية الطبية اللازمة في ظل ظروف الحرب والقصف الذي لم يبقي ولم يذر، بالإضافة إلى نقص الادوية والمسكنات وادوات التخدير، وكذلك نقص الأغذية المناسبة للجرحى.

يقول الدكتور الموسوي إنه خلال مكوثه طوال هذه الفترة في غزة خسر 20 كيلوغرامًا من وزنه، وظهر الشيب في شعره ولحيته نتيجة لما شاهده من مآسٍ وأحداث مأساوية، عايشها وهو يحاول إنقاذ أرواح الأبرياء وسط الدمار الذي ارتكبته آلة الحرب الصهيونية حيث يصف هذا الانهيار بقوله : 《كل شيء ممكن ان ينهار انهار في غزةالا شجاعة أبنائها وصبرهم وايمانهم العميق بالله سبحانه》.
عايش الموسوي محنة أهالي غزة يوما بيوم، شاهداً على مآسيها وشهادة أبنائها، يقول الدكتور ابو رغيف واصفا مشهدا مأساويا لطفلة : 《جيئ لي بطفلة عمرها سنة واحدة محروقة في جسدها بنسبة 80%، وجسدها ورأسها مسودا من الحروق، حاولت انقاذها فرفعتها بيدي واذا بوزنها كالريشة من سوء التغذية، ولم استطع انقاذها حيث وافتها المنية اثناء علاجنا لها》، ويقول واصفا مشهدا اخر: 《 رأينا أطفال مرمين على الأرض بنفسهم الاخير، وليس معهم ام أو اب، فالمآسي في غزة لا تتكرر في مكان آخر》.
كان الدكتور الموسوي شاهدا حيا على الابادة الجماعية في غزة تجاه الأبرياء من شيوخ ونساء واطفال.

ومع بداية اعلان وقف الحرب على غزة احتفى اهالي غزة بالدكتور الموسوي وحملوه على الأكتاف تعبيرًا عن امتنانهم لدوره الكبير في معالجة الجرحى وانقاذ المصابين طوال فترة مكوثه بينهم، بدوره خاطب أهله في غزة بأنه تشرف بخدمتهم وانه سوف يظل معظم حياته بخدمته مشيرا انه تعلم منهم الايمان والصمود والمرجله في مواجهه هذا الامتحان العسير والمحنه الكبرى التي مروا بها.

نعم لقد جسد الدكتور العراقي الغيور محمد طاهر الموسوي أسمى معاني التضحية والإنسانية، ليكون مثالًا مشرفًا للطب والعمل الإنساني، في خدمة من يحتاج للمساعدة والانقاذ، ورمزًا للفخر والإيثار في خدمة الجرحى والمصابين من ابناء هذه الامة المرحومة وصدق من وصفه بالطبيب الفذ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى