طرق الشيطان تبدأ بخَطوة..!
بقلم // كوثر العزاوي
هناك بعض المؤمنين بالمعنى العام، رغم أنه يصلي ويصوم، ويحضر في المسجد، ويذهب للحج الواجب والمستحب، ويحضر مجالس العزاء، وغيرها من الأمور العبادية، لكنه في قبال ذلك يغفل عن بعض المحرمات كاستماع الغناء، أو الخوض في أعراض الناس، أو التجسس على خصوصياتهم ولو كان من الأهل والأقارب، أو وضع الزينة بالنسبة للمرأة الملتزمة المحجبة، وغير ذلك مما نهى الله عنه بصريح القول في موارد كثيرة من القرآن الكريم. والواقع أنّ هذا يُعد مرضًا خطيرًا ينتشر اليوم في الوسط الإيماني.
وبعد النصيحة وإلفات النظر من منطلق:{وتواصوا بالحق} نجد بعضهم يحتجّ بحجج واهية، ويسفّه الأمر، ويستسهل الحرام قولًا أو فعلًا، فما إن يلبث حتى يبدأ بالانزلاق نحو الهاوية، لاعتماد التبرير المتكرر، فيقول مثلًا: إنّ الحرام في الموسيقى، هي الموسيقى المطرِبة، أو الموسيقى المتعارف عند أهل الفسوق والطرب، أو الصاخبة، أما أنا فأستمع للغناء الكلاسيكي، والموسيقى التي تريح الأعصاب. والمرأة تقول، بشأن إبداء الزينة المنهيّ عنها: أنا أضع مسحوقًا بلون الشفاه والبشرة، اما الكحل فهو جائز وكل ذلك لايلفت النظر، وعلى هذا المنوال، يحاول هؤلاء وضع التبريرات، وخلق المسوغات، ليعطوا النفس هواها ومناها، ثم الانجرار في عالم الشبهات من خلال تزيين الشيطان لهم افعالهم، واذا بهم بعد فترة لا يميزون بين الغناء المطرِب والغناء غير المطرِب، ومابين ماهو محرَّم وغير محرَّم. ولو تَبصّر المؤمن لوجد نفسه أنه على حافة الدين، من حيث سلامة التطبيق، يبحث عن المصطلحات الفقهية بما ينسجم ورغبات النفس وهواها مثل:{كذا أمر لم تثبت حرمته} أو {كل مكروه جائز} او{الأمر الفلاني صح فيه شبهة ولكن ليس حرامًا} أو
{المعروف عُرفًا كالمشروع شرعًا} وهكذا. عجبًا! لماذا هذا الانجرار وراء النفس والهوى واللغو الباطل، أليس في “الشبهات عتاب”؟! فليتخيل أحدهم لو عاتبه أحد أحبّته المقربين، كيف أنه يطأطأ رأسه خجِلًا، ويبحث عن وسيلة اعتذار ندمًا! نعم لعل الندم ينفع باعتذار أومسامحة مع من هم مثلنا من الناس، فما بالك بعتاب ربّ العباد، يوم لاينفع الندم ولا المعذرة، سيما وأنه”عزوجل” قد فسحَ في مدة الأجل، وخوّل العباد على ما آتاهم من فضله ونعمه والخير الكثير، فغفلوا وتمادوا حتى وصلوا الى مصداق قوله عزوجل: ﴿ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى* يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾الفجر٢٣-٢٤.
فالحرام يبدأ بصغيرة ثم يكبر، وبخطوة فيتّسع، مسبِّبًا الغفلة وموت القلب -والعياذ بالله- من هنا، حذر الله”عزوجل” عباده من الشيطان الغويّ قائلا:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ..}النور ٢١. لذا فقد بدا قول الله صريحًا، ليمنع الخطوة الأولى قبل أن يصل الأنسان إلى الخطوات المهلكة! وهذا شاهد على أنّ ليس ثمة من هو أحرص عليك من خالقك، كما ندرك حقيقة أخرى، بأنّ الشيطان يجرّ الإنسان خطوة فخطوة حتى يتمّ الإتّباع ثم يوقعه في الفخ! من هنا ينبغي على العاقل، الابتعاد عما يسخط المنعِم سبحانه، قبل فوات الاوان، فالعمر ساعة فاجعله طاعة.
١٩-رجب الأصب-١٤٤٦هجري
٢٠-كانون الثاني-٢٠٢٤ميلادي