الشهيدة سلوى رؤوف البحراني
بقلم // علي العراقي
دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ
إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني
فَاِرفَع لِنَفسِكَ بَعدَ مَوتِكَ ذِكرَها
فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني
في ذكراك أُماه ألف تحية
هكذا قالوا عنك
مذكرات سجينه عراقية ج١
الشهيدة السعيدة سلوى البحراني في بداية السبعينات ، وبعد أن توفى زوجها الدكتور سلمان تاج الدين أثر حادث اصطدام في سيارته ، ذهبت الى الحج وهناك تعرّفت على الشهيدة آمنة الصدر (بنت الهدى) ، فأعلنت قرارها في نبذ الدنيا وما فيها من لهوٍ وبذخٍ .. فعادت ترتدي الحجاب، وصارت تتعرف على الشهيدة (بنت الهدى) وتتأثّر بها من خلال جلسات السبت في بغداد (الكاظمية) حتى غدت قدوتها ورائدة مسارها وواسطة ارتباطها بالمرجعية .
نعم ، نحن مع صفحة مشرقة أخرى من تاريخ المرأة المسلمة في عراق المقدّسات، مع إحدى نساء العقيدة التي سطع شمس ضيائها في سماء بغداد نوراً وعطاءً .. لم تحوقِل أو تتأفف من زحمة العمل ولا من الكلام اللاذع والساخر الذي لاقته من المقرّبين إليها ، بل انطلقت بنشاطٍ وحركة تجاه واجبها ومسؤوليتها الشرعية .. فهي أُمّ حنون لفتيات الإسلام وحُضن رؤوم لأُسر المعتقلين والشهداء ، كانت بحق مجاهدة محتسبة لا تتردّد عن فعل الخير مهما كانت الأخطار .
من الإشراقات الكثيرة التي حفظها التاريخ لها ، أنها في أثناء وجودها في منزل الشهيد الشيخ عارف البصري في منطقة الكرادة ببغداد تتفقّد عائلته وتقضي حاجاتهم ، وهذه عادةً لها مألوفة في معاودة المؤمنين والمنكوبين في البيوت والمستشفيات .
استطاعت رحمها الله زيارة سجن (أبو غريب) لمواجهة الشيخ عارف البصري وتوديعه قبل تنفيذ حُكم الاعدام الجائر بحقّه وبحقّ اخوته من قبضة الهدى ، فودعتهم الواحد تلو الآخر واستمعت الى ارشاداتهم وتحاياهم واستلمت وصاياهم وخواتمهم وقرائينهم لتوصلها فيما بعد الى ذويهم ..
وقد اختصَّ الشهيد الشيخ عارف البصري بالشهيدة المجاهدة سلوى البحراني وأوصاها وبقيّة الشهداء بوصايا كثيرة ، فكانت كالفراشة تتنقّل من شهيدٍ الى آخر والمُقل غارقة بالدمع والقلب مكتوي بنار المصيبة لفقد رجال العراق المصلحين .
واشتد أوار نار حقد النظام على سلوة الروح ، لا سيّما بعد وقفة العز مع مرجعها وقائدها السيد الصدر ورفيقتها ورائدة مسيرتها العلوية (بنت الهدى) ، فهي معهم في المحن الطاغيات والمصائب الحالكات .. واستمرت على منهجهم حتى بعد رحيلهم الى الملكوت بعد الجريمة الكبرى التي نُفِّذت بحقهما .. لذا قام جلاوزة النظام المباد باعتقالها عام 1980 (1/ جمادى الآخرة/1401هـ) واقتيادها الى مديرية (الأمن) العامة ، فكانت رحمها الله صامدة شامخة كالجبل الأشم .. ولمّا لم يجدوا وسيلةً لإرعابها وسحب الاعترافات والأسرار منها قرّروا تصفيتها كي لا تكون (بنت الهدى) أُخرى في العراق !
وهكذا ، فبعد يومين من الاعتقال أعطوها طعاماً من (لبن) مسموم وأطلقوا سراحها !!
وما هي إلا أيام حتى بدأت المعاناة المُرَّة جرّاء ما سبّبتهُ سموم الأمويين في روحها وجسدها .. إذ تغيَّر الجسد سراعاً وتغيَّر الوجه تباعاً ، وشُلَّت يداها وقدماها وتساقط شعر رأسها .. وبالتدريج فارقت النوم وفقدت طعم الأطعمة ومذاق الأشياء !!
ذبل الأمل الزاهر وتحوّل الثغر الباسم الى لوحة هادئة ، فكلَّت يد الخير وتوقفت تلك السيدة الفاطمية عن الحركة والنشاط بعد أن صارت بخطواتها الثكلى كالخيال ، وفشلت كل محاولات الأطباء لشفائها .. غير أن هذا العذاب الذي لازمها قرابة (45) يوماً لم يمنعها عن الصبر والاحتساب وعدم الشكوى .
نعم .. طال بسلوتنا الوجع وصارت طريحة الفراش ، وباتت لحظة الموت لها أشهى اللحظات!
سَكَنَ ارتعاد الأطراف وهدأ وجيف القلب وفاضت الروح الطاهرة راضيةً للشهيدة سلوى البحراني يوم العشرين من رجب عام 1401 هـ ، مأنوسةً بما ينتظرها من نعيمٍ وبارىءٍ رحيم .
١٩٣٤/٢/٢٤ – ١٩٨٠/٦/٤ ( ٢٠ رجب )