هارون المسجون

بقلم // د.أمل الأسدي

 

في ذاك العصر الذي سلّط علی التاريخ مقولاتٍ إعلامية مزيفة، تتحدث عن ذهبيته ومثاليته، مع أنه عصر الظلم والموت الموزع علی الشيعة وعلی كلّ مخالفٍ لرأي السلطة، إذ كانت ذهبية العصر لاتتجاوز حدود القصر ولاتتعدی المنافقين ووعاظ السلطان اللاهثين وراء المال وحطام الدنيا!

في ذاك العصر ألقوا بجسد الإمام موسی بن جعفر(عليه السلام )علی الجسر، مسـموما في بغداد عام ١٨٣هـ ونادوا عليه باستهزاء” هذا إمام الرافضة” ومنذ تلك اللحظة كتب هارون علی نفسه السجن الأبدي!

فقد سمع “سليمان بن أبي جعفر المنصور”

ضجيج بغداد واضطرابها وأدرك أن الوضع ينبئ بثورة عارمة ضد العباسيين، فأرسل أبناءه وغلمانه ليصرفوا شـرطة هارون، ويرفعوا الجسد الطاهر للإمام موسی بن جعفر(عليه السلام) وينادوا علی الناس: ألا من أراد أن يحضر جنازة الطيب ابن الطيب موسی بن جعفر فليحضر!

منذ تلك اللحظة وحتی الآن والسلطان العباسي هارون صار مسجونا! سجنه الإمام الكاظم بل سجنه الله تعالی لذنوبه وبذنوبه، لإجرامه وتهتكه، فهو رجل الحكايات المظلمة في القصور المتعفنة بعرق الجواري والغلمان!

هو ذلك الشقي الذي مدّ يده وقتل راهب بني هاشم، الرجل الرباني الذي تعلقت به قلوب الناس علی مختلف أعراقهم وتوجهاتهم!

الآن وبعد كل هذا الفاصل الزمني؛ بقي هارون مسجونا، وبقي الإمام حرا، وبقي بابه مفتوحا، وبقيت الدنيا تدور حوله، فمدينته لاتنام، ولاتخلو أرضه من وقع أقدام العاشقين، الباحثين عن لحظةِ طُهرٍ ومدد!

وهارون لم ينفعه سور بغداد، ولم تنفعه أبوابها، ولم تنفعه السجون تحت الأرض! لم يستطع عزل الإمام عن رسالته، ولم يستطع عزل الناس عنه!

بقي الإمام موسی بن جعفر قبلةً إيمانيةً وبقيت قبابه تعانق السماء، وبقي ضريحه مزارا وملاذا آمنا!

وبقي هارون مسجونا!

إذن؛ قولوا عنه: هارون المسجون!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى