أفئِدَةٌ تَهوي إليه..!

بقلم // كوثر العزاوي

 

في ذكرى استشهاد باب الحوائج “الامام الكاظم من آل محمد “عليه السلام” تمشي الجموع الهوينا، تحاول ضبط خطواتها لئلا تتعثّر فتُربكُ الزاحفين المتوجهين صوب حرمه الشريف، وما إن تتوسط جسر بغداد المطلّ على نهر دجلة، تأخذ زواية لاتزاحِم فيها أحدًا، تتنفس الصعداء، تحاول السكون عبثا، بيد أن القلب يرسل آهاته، فيزداد النبض تصاعدًا!. ومابين الشوق والحذر، تلوح لعينيك بريق قباب أسد بغداد، تحدّق في وهج منارات العشق، تبهرك معاني الشموخ الذي تجلّى بنوره الأخاذ!، ويلحّ الوجد مستفهمًا، ترى! كيف استُلّتِ العزة والخلود من قعر السجون وحلق القيود؟! وأنّى للمقيَّدِ بالحديد أن يحوّلَ قيودَهُ عُكّازًا يهُشُّ بها العَتمة في غياهب الجبّ، وكيف استطاع أن يصنع سراجًا ينير دهاليز الظلمة؟! ومن قبوٍ إلى قبو، ظلّ إمامنا المعصوم يكابد البلوى ويألف الصبر، حتى بانت سِمَاتهُ الأنصع وضوحًا، تلك السمات التي استوحت الشرف من اسمه المبارك “كاظم الغيظ” والصابر على الرزايا الجسام، التي لاقاها من طاغوت عصرهِ “اللارشيد” وفي

غمرة التأمل، يأخذك العقل مدركًا، أنّ ثمة حقيقة جوهرية ناصعة في حياة صاحب الذكرى “إمامنا الكاظم “عليه السلام” بأنه المَظهَر الحقيقي لتجلّي العبودية لله “عزوجل” ومحض الارتباط بالمطلق، ومطلق الثقة به “سبحانه وتعالى” فما تجرّع كل الغصص، إلّا لأنه يتعامل مع الدنيا كونها دار ممرّ لا قرار، وإنّ الآخرة هي دار القرار، وإنّ الفناء في سبيل الحق، والدفاع عنه وتحمّل المشاق لأجله، هيَ السعادة والإرتقاء. ومن هنا، نستطيع أن نستلهمَ الدرس الأسمى من سيرة المعصوم”عليه السلام” لنصلَ الى تسنُّمِ الولاء الحقيقي، الذي يقودنا حتمًا إلى ذروة السعادة، ونحن نُبصر ماوراء المرقد الطاهر وذلك الصرح الخالد، فتتكشّف معاني الصبر، وتتجلى أبعاد الصلابة في الحقّ، والصمود أمام الأحداث، لندركَ معنى فناء العبد بالمعبود! والاستخفاف بطاغية عصره، يوم تمادى متفنّنًا في تعذيبه، بهدف طمس آثار الإمامة، يوم أفقده الشيطان عقله وأعمى بصيرته، في الوقت الذي كان إمامنا الكاظم “عليه السلام” يُربئُ بنفسه عن كل مافي الحياة، ليجعل من السجن نعمة كبيرة، يَشكرُ الله عليها، وهو في طامورة سجن هارون، مخاطبا ربّه راضيًا:{اللهم أنك تعلمْ..طالما سألتك أن تفرّغني لعبادتك، اللهم وقد فعلتَ، فلك الحمد}. ونحن ندعو قائلين:

{اَللَّهُمَّ وَكَمَا صَبَرَ عَلَى غَلِيظِ الْمِحَنِ وَتَجَرَّعَ غُصَصَ الْكُرَبِ وَاسْتَسْلَمَ لِرِضاكَ وَأَخْلَصَ الطَّاعَةَ لَكَ وَمَحَضَ الْخُشُوعَ وَاسْتَشْعَرَ الْخُضُوعَ وَعَادَى الْبِدْعَةَ وَأَهْلَهَا وَلَمْ يَلْحَقْهُ فِي شيْءٍ مِنْ أَوَامِرِكَ وَنَوَاهِيكَ لَوْمَةُ لَائِم، صَلِّ عَلَيْهِ صَلاةً نامِيَةً مُنِيفَةً زَاكِيَةً، بِرَحْمَتِكَ يَاأَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

 

٢٤-رجب الأصب١٤٤٦هجري

٢٥-كانون الثاني- ٢٠٢٥ميلادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى