حتی “قوت القلوب” تركتك ياهارون!

بقلم // د.أمل الأسدي

كان السلطان هارون العباسي مولعا بالجواري، ويری نفسه محقا في كل شيء، فهو الحاكم الذي يملك الأرض من بغداد الی الصين، وهو الحاكم الذي رفع رأسه الی السماء مخاطبا الغيمة: ” أيتها الغيمة، أمطري حيث شئت؛ فإن خراجك عائد إليّ” وهذا تحد لله تعالی المالك الحقيقي للسموات والأرض، ولكن السلاطين لايبالون بالحقائق إلا بعد أن تقع الواقعة!

لقد أتعب شغف السلطان بالنساء زوجته ” زبيدة” فباتت تبتكر طرقا إجرامية لتبعد من تراها تستأثر بليالي هارون، ولكن لكثرتهن كانت لاتسيطر دائما، ولاسيما وأن السلطان أحيانا يبيت مع اثنتين أو ثلاث أو أكثر!

وحدث أن تعلق بجارية تدعی”قوت القلوب” تعلق بها تعلقا جنونيا، أعد لها مقصورةً وأغرقها بالذهب والجواهر والأموال والخدم!

وحين خرج مسافرا فكرت زبيدة في حيلةٍ لتتخلص منها، فطلبت من جاريتها أن تضع قطعة البنج علی أنفها أو في شرابها، وبالفعل نفذت الجارية ما طلبته سيدتها منها، وخدرتها ووضعتها في الصندوق، وأمرت زبيدة العبيد بنقل الصندوق ودفنه خارج بغداد، وحين عاد هارون بلغته أنها ماتت ودفنتها، وبقي يبكي عليها وأراد نبش قبرها واستخراجها لولا أنهم منعوه وذكروه بفداحة ما يفعل!

نفّذ العبيد ما طلبته منهم زبيدة، ولكن توافق أن تاجرا يدعی ” غانم بن أيوب” كان هناك ورأی ما فعله العبيد حين دفنوا الصندوق، وأخذه الفضول لمعرفةما في الصندوق، فنقله الی بيته، وكسر قفله فوجد صبية جميلة جدا فيه، فأبقاها في منزله واعتنی بها، وهي بدورها نست “هارون” وفي كل ليلة تسهر مع “غانم” ويشربان حتی الهيام، وكانت تقول له: انها تحبه حبا كبيرا، وتعشقه ووو ،لكنه لايعرف سرها الذي تخفيه، فمن هي؟ وما الذي يجعلها تنفر منه بعد مجلس السمر الحميمي؟

لتخبره أخيرا أنها جارية هارون المقربة، وأنه علّق لها في ملابسها الداخلية مصاغا من الذهب كُتب عليه” أنا لك وأنت لي يا ابن عم النبي” وأنه بسبب ولع هارون بها، انزعجت زبيدة وفعلت ما فعلت!

خاف ” غانم” حين علم أن السلطان يعشقها الی هذا الحد، وأبعد نفسه عنها، ولكنها ظلت تتوسل به، وتطلب منه أن ينسی أمر السلطان، وهكذا بقيت حتی اكتشف هارون خديعة زبيدة، وأمر بإحضار” قوت القلوب” وهرب “غانم بن أيوب” وبقي هارون يبحث عنه ليقتله!

وعادت” قوت القلوب” مع الجنود بعد أن نهبوا بيت”غانم” وجمعت الجواهر والأموال وكل ما خف وزنه وغلا ثمنه ووضعته في صندوق.

غضب منها “هارون”وسجنها في مكان مظلم ثمانين يوما، وخصص لها عجوزا لخدمتها، ولكنها بقيت تتحين الفرصة للإفلات من هارون والالتحاق بـ” غانم” وبالفعل حصلت علی مرادها!(١)

أرأيت يابن خيزران؟ حتی تلك الجارية التي أغرقتها بالجواهر والأموال، وتجرأت وكتبت اسم”النبي” في مكان لا يليق! حتی هذه تركتك وذابت في غرام شخص آخر!

هذا هو عالمكم النجس المليء بعرق الجواري والغلمان، ومكر النساء وتهتك سكان القصور!

هذا هو عالمكم الإجرامي، المعادي لأشرف الخلق، وأكثرهم قربا الی الخالق!

الآن ياهارون، انظر، شاهد بعينك، مَن حسدته وحقدت عليه، وأردت أن تبعد الناس عنه بقتله، كيف تربع علی عرش القلوب، وكيف تحج إليه القلوب المؤمنة العاشقة، وكيف تلوذ به لتتطهر وتسمو؟!

وكيف تحول شهر رجب الی موسمٍ تواصليٍّ مليونيٍّ متفرد كرامةً له؟!

كان عليك أن تتذكر: ((…فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ…))٢وتتذكر: ((…اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ…))٣

 ولكن أمثالك لايتذكرون((كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ))(٤)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى