زيارة الإمام الكاظم قبل2003 وبعدها
بقلم // د.أمل الأسدي
لقد تعرّض إحياء مناسبة استشهاد الإمام الكاظم(ع) للمحـاربة الشديدة في زمن البعث البائد، ولكن لكثرة عدد الزوار القاصدين الكاظمية، كان يُسمح لهم بالزيارة والخروج فقط، ولايُسمح لهم بإقامة مجالس العزاء أو رداته، أو تشغيل القصائد، وكان الرفاق البعـثية ينتشرون في المحلات والأزقة، ويتجسـسون علی الناس، ويقتحـمون المنازل التي يعلو منها صوت العزاء، وفي أفضل الأحوال يطرق أحدهم الباب بـشاربه الكثيف وبدلته الزيتونية قائلا: طفي المسجل احسنلك!!
ويتجول الرفاق البعـثية من قبل أيام من مناسبة الاستشهاد في سوق الكاظمية أيضا، وبما أننا شهود علی تلك الحقبة، فمن واجبنا أن نعرّف الأجيال بما كان يحدث، فقد مرّ الرفيق الحـزبي من قرب محل القصابة في سوق الكاظمية، وكان صاحب المحل يشغّل بصوت منخفض شريط كاسيت عن الإمام الكاظم، وحين دخل الرفيق إلی المحل وسمع صوت المسجل، جحظت عيناه، ورفع يده ضاربا صاحب المحل، صفعه صفعةً قوية وقال له:
هـتلي …. گوموا يا شـيعة نشيله مو؟؟؟
ويقصد ما سمعه، أي قصيدة” موسی بن جعفر عاجسر
گوموا ياشـيعة نشيله”
كانت الملاحقة شديدة في التسعينيات ، وقد يدخل الانضباط والأمن إلی الضريح المقدس فيعتقلوا الشباب ويعتدوا عليهم بـ”الكيبلات” إذا ما قاموا بقراءة بعض القصائد أو قصدوا الضريح مشيا .
ومع تلك الرقابة والملاحقة، وسجن الرواديد والقراء، ومنع تداول كاسيتات العزاء، تحتفظ الكثير من الأسر بأشرطة المسجل في صناديق، وتضعها في المطبخ، أو الأماكن التي لايتوقعها البعثية، أو يقوم الأبناء بكتابة أسماء مطربين علی الأشرطة تحسبا لأي طارئ أو مداهمة، وعلی الرغم من كل ذلك كله إلا أن يوم استشهاد الإمام الكاظم كان يوما مشهودا، إذ يتوافد الزوار من كل مكان، حتی يصعب علی القادم المشي بسهولة بسبب الازدحام الشديد.
أما بعد سقوط الصنم، بعد 2003 فأخذت الزيارة وضعها الطبيعي، وعاد الشيعة يفزعون من كل مكان لملاقاة الإمام الشهيد، يضجون حزنا، يمشون من كل مكان، أخذ الشيعة ينصبون مواكبهم في الطرق المؤدية إلی الكاظمية، وتحولت الزيارة إلی اجتماعٍ مليوني مبهر، فهو الاجتماع الشيعي الثاني بعد الزيارة الأربعينية من حيث العدد والنوعية وطبيعة الخدمة المقدمة للزوار، وأجمل ما يمكن أن تشاهده في الزيارة الرجبية هذه؛ هو مسير العوائل مع بعضها، فتری مختلف الأجيال” الأطفال، الصبية، الشباب، الآباء والأمهات،الأجداد والجدات” وهذا ما يمد هذه الزيارة
بالبقاء، إذ تحولت إلی ظاهرة اجتماعية يؤديها الجميع بغض النظر عن بلوغ الزائر من عدمه، أو التزامه من عدمه، فهي حدث اجتماعي مرتبط بالدين بعيدا عن مقياس التدين!
ومن أجمل ما تشاهده ـ أيـضا- هو دور القوات الأمنية”الجيش والشرطة والحشد” في تغطية الزيارة أمنيا وحماية الناس، والمشاركة في المواكب، فتراهم منتشرين في كل مكان لتقديم المساعدة والحماية، والحفاظ علی أرواح الناس، وهذه مشاهد جميلة تعكس احترام الدولة لهوية شعبها الغالبة، وحرصها علی الحرية في ممارسة الشعائر والمظاهر العبادية.
فالسلام علی الذي مازالت القلوب تسعی إليه في حياته، ومنذ لحظة استشهاده حتی الآن!
السلام علی الإمام موسی بن جعفر الذي بقي، وبقيت قبابه شاهقة، وزال الطـغاة وزال طغيـانهم وجبروتهم وزالت سـجونهم ومطامـيرهم.