كانهم بالحج يطوفون ببلد ركام ..

بقلم // حسن كريم الراضي 

 

دعكم من العواطف ولنتحلى بنكران الذات وقليل من الموضوعية لتحكموا على الأحداث بأنصاف وبلا تحيز .. هل شاهدتم ما شاهده العالم اليوم ؟ هل رأيتم القنوات وهي تبث مباشرة هذا الزحف المليوني لشعب حاولوا تحطيمه فأصبح ركام ولكنه لم يموت ؟ كانوا يحملون على ظهورهم أمتعة بالية مازالت مبتلة من الأمطار ملطخة بالطين تمثل كل ما يملكون من هذه الدنيا بعد 500 يوم كان الجحيم أرحم منها .. عادوا وكأنهم بعثوا من جديد يهللون ويكبرون ويضحكون ويصرحون للمراسلين بما يقف الانسان فيه عاجزا عن الوصف .. عادوا ولم يعود احباؤهم وقد تركوهم تحت اطنان الركام .. عادوا ولأي شيء عادوا ؟ منازلهم مهدمة. حقولهم حرقت .. سياراتهم دمرت . شوارعهم كأنها من القرون الوسطى .. تسمرت أمام الشاشات منذ الصباح وأنا أنظر لوجوه النساء المنهكة من الجوع .. ثكالى فقدن الأحبة لكنهن لم يشكين ولم يتذمرن والحمد لله كانت الجملة التي يفتتحن فيهن كلامهن .. أما الرجال .. فلم أسمع أحدهم تفلسف ولا أحد تمنطق ولم أسمع أحد شتم المقاووومة ولم أرى أحد قال : كانت مغامرة غير محسوبة .. لم يشتموا قادتهم بل جميعهم يقول انهم رفعوا رؤوسنا وقد أنتصرنا .. قال أحدهم : أنا أخطأت عندما تركت داري كان يجب أن أبقى لأموت فيها .. وقال آخر : سنعود رغم أنف ترامب ولن نترك أرضنا .. وقال أحدهم وهو يحمل طفلين على كتفيه: الحمد لله عدنا ذهبنا أثنين وعدنا بثلاثة ويشير لطفله الذي ولد في خيام الملاجئ .. كانوا يحيون المقاومة رغم ما جرى عليهم رغم حرص بعض القنوات لسماع شتيمة واحدة .. أي شعب هذا يا سادة .. أما في جنوب لبنان فهناك زحف من نوع آخر . زحف محفوف بالموت والرصاص لقرى نائية بعيدة .. عاد لها أهلها يبحثون عن رفات المجاهدين يرفعون إعلام الثبات الصفراء ويرددون حقا وصدقا : هيهات منا الذلة … عادوا ولم يعد قائدهم لكنه كان معهم فهم يحملون روح الصمود والثبات ..

لا تملوا من القراءة فالموضوع لم ينتهي بعد .. اريد تذكيركم بما جرى علينا بعد غزو الدوواعش لمدننا وكيف ثبت الرجال ووثب الشجعان كالاسود في حين فرّ البعض تاركا هذا الوطن يبحث عن لجوء في الغرب . اتذكرون كيف أخذوا عيالهم واطفالهم يعبرون بهم البحار في زوارق متهالكة فغرقوا وماتوا ولا بواكي لهم تاركين وراؤهم وطن ليس مثله في الأوطان . وطن لم يجوع ولن يجوع أبدا مادام فيه قمح يزرع وتنور طين وأم تخبز .. تركوه وذهبوا لمنحة لا تتعدى بضع عشرات من الدولارات تمنحها لهم عواصم البرد والضباب .. قارنوا بين هذا الفلسطيني الذي رفض عرض ترامب ليبدل وطن عبارة عن دمار وخراب وقتل ودماء بمدن آمنة مستقرة عيشها رغيد وبين من يقاتل ليبدل هذا العراق بالمدن الحمراء يبحث فيها عن كأس وفرج رخيص .. قارنوا بين من عادوا للركام يشمون غبار دار مهدمة وحي خراب بلا مصدر رزق ولا سوق ولا زرع ولا آمان وبين من يبيع وطنه بثمن بخس بضع دولارات تمنحها سفارات التآمر والغدر .. في الختام غيرت المحطة فوجدت عراقي بين بناته الاربعة يشكو العوز ويبكي من الفاقة فسأله المراسل ما عملك قال موظفا وراتبي مليون ونصف فبهت المراسل ورجع للوراء .. أخاف عليكم سادتي من أعتياد النعمة وأخشى من تبدلها فبالشكر تدوم النعم لا بالجحود ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى