أَعْجَزُ الناسِ، درسٌ مستفاد..!

بقلم //  كوثر العزاوي

 

من قصار الحكم لسيد البلغاء أمير المؤمنين عليّ “عليه السلام”: {أَعْجَزُ الناسِ مَنْ عَجِزَ عَنِ اكتِسابِ الإخْوانِ وأعْجَزُ منه، مَن ضيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ منْهُم} حكمة بالغة يحثّ فيها إمامنا على مكارم الأخلاق، ويبيّن ضمنًا أهمية المعاشرة بين الناس والمحافظة عليهم، والإخلاص معهم والوفاء لهم، وهذا من أقوى عرى الإيمان. وثمة خصوصية أقوى، تلك التي عبّر عنها أمير المؤمنين “عليه السلام” في مورد آخر بــ”إخوان الثقة” والتي تمثل العلاقة المتينة العميقة بين الأفراد والجماعات في أبعادها الرسالية، ومحاكاة داخل كل واحد منهم بما يكنّه للآخر من مودة ووفاء واحترام، بما هم عليه من وحدة في المنطلق والهدف، وصدقٌ في الكلمة والموقف، وموافقة ظاهرهم لباطنهم. والثقة بهم هو السبب في البذل لهم، وإعانتهم ومصافاتهم ومعاداة أعدائهم وكتمان أسرارهم، وإظهار محاسنهم، وإخفاء مساوئهم، فهم الكف والجناح، أي هم قوة يمكن الاعتماد عليها في كف الأذى والاستعانة بها في الموارد التي يحتاج فيها إلى عون، فلا زيف ولاخداع ولا أنانية. فكلما خلت العلاقة من المصالح المؤقتة على أيّ صعيد نفعيّ، سواء كان شخصيًا أو أجتماعيًا أو سياسيًا أو غير ذلك، كلما كانت أنفع وأنقىٰ وأسرع ثمرة. فبالإخوة يتعزز الفرد وينتصر، ويشعر بالإطمئنان، سيما من جمعتهم يومًا نائبة أو عسر من حال، أو مَن ربطتهم معًا قيَم سامية تقيّد كلّ منهما بها لتفضي الى الإنفتاح والإنشداد، والحب والوفاء، والغوث عند الشدة، والسند عند الخلة، فيجد الانسان في لقاء مثلهم وصحبتهم متنفَّسًا ومرتَعًا ومهربًا من الهموم المحيطة به!، ولو تأملنا استعمال الإمام “عليه السلام” كلمة “الإخوان” بدلاً من “الاصدقاء” لعرفنا سرّ الاختيار، أي بمعنى أنّ هكذا علاقات، لم تكن محكومة بظرف ولامصلحة ولامكسب زهيد زائل. لذا جاء وصف “الأعجز” لمَن فرّط بمَن ظفر به من الإخوان وضيّعهُ لِمعاذير نفسية، وطباع غير سويّة أساسها الأنانية وحب الذات، أو بدافع الميل الى ماهو جديد، رغبة في التحديث والكسب على غير هدى، حبًّا بالكثرة كمًّا لانوعًا، ومظهرًا لا مضمون!.

اما الدرس المستفاد هو:

ان كل صداقة أو علاقة لاتقوم على اساس التقوى لاوزن لها لهشاشتها، وسرعان ماتتبدل إلى جفوة ونفور بل والى عداوة ايضا!. إضافة الى الحثّ على اتخاذ الأخوان المؤاخين الأوفياء، النافعين المؤتمَنين، الأعوان على تقلبات الزمن، والاحتفاظ بمودتهم وَصِلتهم ومواساتهم. وثمة استنتاج لطيف، إنّ مسألة اكتساب الإخوان يختلف عن التعرّف عليهم كما يشاع اليوم من سهولة التعارف وكثرة الاصدقاء، فليس كل صديق أخ! لأن الأخ الموافق هو كسبٌ في حقيقته، وإن إخوان الصفاء هم إخوان الثقة، وليس ثمرة علاقةِ تعارف ظرفية فحسب! لذا نرى اليوم كثيرًا ما تفشل علاقات اجتماعية وتتراجع، لأنهم كانوا يبالغون في وصفها بالأخوة والصداقة الحميمة والحب وو… إلا أنها أول ما تعرضت لحالة اختبار فشلت، ولم تقف صامدة بوجه المصالح لتجعل العلاقة وما تحتمله من وفاء وإخلاص وتضحية فوق كل مصلحة!. لذا جاء التنبيه من المصطفى”صلى الله عليه وآله محذّرًا”: “المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل”.

 

١٦-رمضان-١٤٤٦هجري

١٧-آذار- ٢٠٢٥ميلادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى