كنوز ميديا – متابعة
نفّذ مكتب تنسيق البرامج التابع لوكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) مشاريع في مجالات الزراعة والصحة والتعليم والتأهيل الاجتماعي والحفاظ على التراث الثقافي في الجزائر، والتي صُممت ظاهريًا للتنمية الاجتماعية في البلاد، ولكنها في الوقت نفسه تُمثّل أداةً للتأثير الناعم لتركيا وخلق صورة إيجابية عن البلاد لدى الرأي العام الجزائري.
أهمية الجزائر في السياسة الخارجية التركية
تحظى الجزائر بأهمية خاصة لدى أنقرة نظرًا لموقعها الاستراتيجي في شمال أفريقيا وعلاقاتها التاريخية مع تركيا منذ العهد العثماني، وتُمثّل الجزائر بوابةً لتوسيع نفوذ تركيا في أفريقيا والعالم العربي.
من خلال مشاريع التنمية، تسعى تيكا إلى تعزيز مكانة تركيا في مواجهة المنافسين الإقليميين والدوليين، وإقامة علاقات ثقافية واقتصادية مستدامة مع الجزائر، في الواقع، يُعدّ دخول الجزائر تعميقًا لحرب ناعمة بين تركيا ودول مثل فرنسا والصين وروسيا والدول العربية.
مشاريع تيكا في الجزائر
نفّذت تيكا العديد من المشاريع في الجزائر منذ عام ٢٠١٥، مُركّزة على الزراعة والصحة والتعليم والتأهيل الاجتماعي والحفاظ على التراث الثقافي، صُمّمت هذه المشاريع لتلبية الاحتياجات المحلية وخلق صورة إيجابية عن تركيا في المجتمع الجزائري.
المشاريع الزراعية
تلعب مشاريع تيكا الزراعية، التي تهدف إلى دعم الإنتاج المحلي، دورًا مهمًا في التأثير الناعم لتركيا من خلال خلق تبعيات تقنية واقتصادية، أنشأت تيكا ورشة عمل تدريبية في معهد تيميمون للبحوث الزراعية الصحراوية، لتعليم المزارعين كيفية إنتاج زيت الأرغان وزيت الزيتون.
دعم المشروع زراعة ١٠ آلاف شجرة زيتون وأرغان، ما ساعد على تحسين سبل عيش المزارعين، كما أنشأت تيكا ورشة تدريبية لتصنيع منتجات التمور في مدينة بسكرة، مركز إنتاج التمور الجزائري، ويُعد المركز قاعدة تدريب وبحث لزيادة القيمة الاقتصادية للتمور.
وأنشأت مزرعة لإنتاج الفطر في مركز برج الكيفان للتدريب والابتكار، الذي يُقدم تدريبًا على زراعة الفطر لـ 30 شابًا، كما أنشأت ورشتين لتجفيف الفواكه والخضراوات وإنتاج منتجات العنب والتين البري في المدية، وتساهم هذه الورش في زيادة الطاقة الإنتاجية للمنطقة من خلال تدريب المزارعين، وأنشأت تيكا مختبرًا تدريبيًا لتركيب وتشغيل الألواح الشمسية في بسكرة، ما يُسهم في زيادة الإنتاجية الزراعية من خلال الطاقة المستدامة.
مشاريع الصحة
تُعدّ مشاريع تيكا الصحية أدوات فعّالة لبناء الثقة والتأثير الإيجابي لما لها من تأثير مباشر على الصحة العامة، وقد جددت تيكا عيادة الولادة في مستشفى “متارفة” في تيميمون وزودتها بمعدات طبية حديثة، ويوفر المركز، الذي يخدم 20 ألف شخص، ظروفًا صحية أفضل للولادة، مشاريع تعليمية وتأهيلية اجتماعية.
تساهم هذه المشاريع في تعزيز الروابط الاجتماعية والثقافية مع تركيا من خلال التركيز على الفئات المستضعفة والشباب، أنشأت تيكا مركزًا للأيتام وذوي الإعاقة والأطفال المحتاجين في تيميمون، يقدم خدمات تعليمية وتأهيلية، يكتسب هذا المشروع أهمية خاصة في المنطقة نظرًا لتركيزه على الأطفال المتضررين من التجارب النووية الفرنسية.
كما أنشأت تيكا ورشة خياطة في العاصمة الجزائرية لإعادة تأهيل الفتيات ذوات الإعاقات الذهنية، ووفرت الورشة تدريبًا على الخياطة لاثنتي عشرة فتاة، وتبرعت لهن بآلات خياطة.
مشاريع ثقافية
تساهم مشاريع تيكا الثقافية في تعزيز الثقافة التركية وتوطيد الروابط التاريخية من خلال التأكيد على التراث المشترك، أنشأت تيكا ورشة تصميم وتدريب على صناعة النحاس في القسطنطينية، بهدف إحياء هذا الفن التقليدي وتثقيف الشباب، ويركز المشروع على الروابط التاريخية من العصر العثماني.
التأثير الناعم لتركيا
على الرغم من أن أنشطة تيكا في الجزائر تهدف ظاهريًا إلى التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، إلا أنها تُمثل بوضوح جزءًا من استراتيجية التأثير الناعم لتركيا، تعزز المشاريع الزراعية، مثل ورشات تصنيع التمور وإنتاج الفطر، النفوذ الاقتصادي التركي في الجزائر من خلال تعزيز الاعتماد على التكنولوجيا والتدريب التركيين، هذه التدابير، مع تحسينها لسبل العيش المحلية، تجعل الجزائر أكثر اعتمادًا على المعدات والخبرة التركية، ما قد تكون له آثار جيوسياسية طويلة المدى.
تُعد المشاريع الصحية، مثل إعادة بناء عيادة التوليد وأمراض النساء، أداة قوية لبناء ثقة الجمهور نظرًا لتأثيرها المباشر على الصحة العامة، ترسم هذه الإجراءات، وخاصة في المناطق المحرومة مثل تيميمون، صورة إنسانية لتركيا وتعزز الشعور بالامتنان في المجتمع المحلي.
تُعزز المشاريع التعليمية والتأهيلية، مثل مركز تيميمون للأطفال وورشة خياطة القبة، الروابط العاطفية والاجتماعية مع تركيا من خلال التركيز على الفئات الضعيفة، وفي الوقت الذي تستجيب فيه هذه المشاريع للاحتياجات الاجتماعية، فإنها تسمح لتركيا باختراق المجالات غير السياسية وخلق صورة إيجابية لدى الفئات المحرومة.
تُسهم المشاريع الثقافية، مثل ورشة النحاس، التي تُبرز التراث العثماني المشترك، في تعزيز الثقافة التركية وترسيخ الهوية التاريخية المشتركة، ويمكن لهذه الأنشطة أن تؤثر تدريجيًا على الهوية الثقافية للجزائر، وأن تُوسّع نفوذ تركيا في المجال الثقافي.
من منظور جيوسياسي، تُعدّ أنشطة تيكا في الجزائر جزءًا من جهود تركيا لتعزيز مكانتها في شمال إفريقيا في مواجهة منافسين مثل فرنسا والصين، تُوفّر الجزائر منصةً رئيسيةً لهذا النفوذ بفضل مواردها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي، ومع ذلك، فإنّ التبعيات التقنية والاقتصادية الناتجة عن هذه المشاريع قد تُشكّل تحديًا لاستقلال الجزائر على المدى الطويل، الأمر الذي يتطلّب يقظةً من السلطات الجزائرية.
وأخيرًا، على الرغم من أن مشاريع تيكا قد أحدثت تحسينات في البنية التحتية والخدمات الاجتماعية في الجزائر، إلا أنه لا ينبغي إغفال الأهداف الاستراتيجية وراء هذه الإجراءات، إنّ الوعي بأبعاد النفوذ التركي الناعم، والتقييم الدقيق لآثار هذه المشاريع على الاستقلال الثقافي والاقتصادي للجزائر، أمران أساسيان للحفاظ على توازن في العلاقات بين البلدين.ع666