نماذج ملهمة في مكافحة الفساد وبناء الأوطان .. دروس مُستفادة للعراق .؟

بقلم_طه حسن الأركوازي الخبير بالشأن السياسي والأمني

إن مسيرة الأمم نحو التقدم والازدهار غالباً ما تتعثر بفعل آفة الفساد التي تنخر في مؤسسات الدولة وتقوض ثقة المواطنين ، لكن التاريخ يقدم لنا نماذج مُشرقة لقادة وزعماء أستطاعوا ، بإرادة قوية ، ظورؤية واضحة ، أن يقودوا شعوبهم نحو التحرر من براثن الفساد وتحقيق نهضة حقيقية ، من ماليزيا إلى الإمارات وكرواتيا ، مروراً بتجربة بوركينا فاسو ، تتجلى قصص ملهمة لقادة آمنوا بأن خدمة الشعب تتطلب النزاهة والشفافية ومحاربة كُل أشكال الاستغلال ، هذه التجارب ، رغم أختلاف السياقات الجغرافية والزمنية لكنها تحمل دروساً قيمة للعراق الذي يواجه تحديات جسيمة في مجال مكافحة الفساد وبناء دولة قوية ومزدهرة ، نماذج قيادية في مكافحة الفساد وبناء الأوطان :

1- مهاتير محمد :
الإرادة الصلبة في مواجهة الفساد المستشري ، يمثل عودة مهاتير محمد إلى رئاسة وزراء ماليزيا في سن متقدمة نموذجاً للإصرار على تطهير البلاد من الفساد ، ففي غضون أيام قليلة لم تتحاوز ال 10 ، فتح الرجل ملفات فساد ضخمة وعلى رأسها قضية الصندوق السيادي الماليزي الذي أختفت منه مليارات الدولارات فهو لم يتردد في محاسبة المتورطين ، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق ورموز أخرى مُؤكداً إن لا أحد فوق القانون ، هذه الخطوات الجريئة تجسد أهمية الإرادة السياسية القوية في مواجهة الفساد مهما بلغت جذوره .

2- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان :
رؤية الوحدة والازدهار لم تقتصر القيادة الحكيمة على مكافحة الفساد فحسب بل تجلت أيضاً في بناء الدولة وتوحيد الصفوف ، يبرز هنا الدور التاريخي للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة ، لقد أستطاع برؤيته المستقبلية وإدراكه لأهمية التعاون ، أن يوحد الإمارات المتصالحة تحت راية واحدة ، ويضع أسس دولة حديثة ومزدهرة ، إن إيمانه بالعمل المشترك وتجاوز الخلافات قاد إلى تحقيق رخاء ونمو غير مسبوقين .

3- كوليندا غرابار كيتاروفيتش :
القيادة بالقدوة في زمن الأزمات في الجانب الآخر من العالم ، قدمت رئيسة كرواتيا السابقة كوليندا غرابار كيتاروفيتش مثالًا نادراً في القيادة بالقدوة والتضحية في سبيل الشعب ، عندما ورثت البلاد وهي تعاني من أزمة أقتصادية حادة فهي لم تتردد في أتخاذ إجراءات تقشفية قاسية ، وبدأت بنفسها بخفض راتبها وبيع ممتلكات حكومية لخدمة المحتاجين ، وقرارها ببيع الطائرة الرئاسية لإطعام مليون جائع يجسد أسمى معاني المسؤولية والتفاني في خدمة الشعب ، إنها رسالة قوية بأن القائد يجب أن يكون أول من يتحمل الأعباء ، وآخر من ينعم بالامتيازات .

4- إبراهيم تراوري :
يمثل إبراهيم تراوري في بوركينا فاسو نموذجاً للقيادة الوطنية التي ترفض الهيمنة الأجنبية وتسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي والكرامة لشعبها ، إن تركيزه على محاربة الإرهاب وأستعادة الأراضي ، وتحقيق إنجازات أقتصادية ملموسة ، يوضح كيف يمكن للقيادة الشابة والطموحة أن تحدث فرقاً حقيقياً .

دروس مُستفادة للعراق :
إن أستعراض هذه التجارب القيادية الملهمة يضع أمام العراق دروساً قيمة في مسيرته نحو بناء دولة قوية ومزدهرة :
1. الحاجة إلى قيادة حازمة وملتزمة :
يتطلب مكافحة الفساد المستشري في العراق قيادة وطنية شُجاعة ونزيهة تضع مصلحة الوطن فوق كُل أعتبار وتتمتع بالإرادة اللازمة لتطبيق القانون على الجميع من دون أستثناء .
2. أهمية الوحدة الوطنية وتجاوز الخلافات :
على غرار تجربة الإمارات يحتاج العراق إلى تعزيز الوحدة الوطنية وتجاوز الانقسامات الطائفية والإثنية من أجل بناء مستقبل مشترك ومزدهر .
3. ضرورة القيادة بالقدوة والتضحية :
يجب على المسؤولين والقادة العراقيين أن يكونوا قدوة حسنة لشعبهم ، وأن يتبنوا سياسات تقشفية في أوقات الأزمات وأن يضعوا مصلحة المواطن في مقدمة أولوياتهم .
4. التركيز على الاستقلال الاقتصادي والسيادة الوطنية :
يحتاج العراق إلى تنويع مصادر دخله وتقليل إعتماده على النفط ، وتعزيز سيادته الوطنية في جميع المجالات على غرار ما تقوم به بوركينا فاسو في ظل قيادة تراوري .
5. الاستثمار في الإنسان وتمكين الشباب :
إن بناء عراق مزدهر يتطلب الاستثمار في قدرات الشباب وتوفير الفرص التعليمية والاقتصادية لهم ، وتمكينهم من المساهمة الفعالة في بناء مستقبل بلادهم .

ختاماً إن قصص القادة الذين أستطاعوا أن يحدثوا تغييراً حقيقياً في أوطانهم تقدم لنا بارقة أمل ورسالة مفادها أن التغيير ممكن على العراق أن يستلهم من هذه التجارب ، وأن يسعى جاهدًا لترسيخ مبادئ النزاهة والشفافية والعدالة ، وأن يختار قادة قادرين على تحمل المسؤولية وقيادة البلاد نحو مستقبل أفضل ، إن بناء عراق قوي ومزدهر خالٍ من الفساد ليس مجرد حلم ، بل هو هدف قابل للتحقيق بالإرادة الصادقة والعمل الجاد والاقتداء بالنماذج القيادية الملهمة …!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى